المقام الثاني في بيان اقتضاء ولايتنا له شدة الاهتمام في الدعاء له وهذا أمر ظاهر لا يخفى على أحد لأن الطبائع مجبولة على الدعاء للمحبوب وهذا واضح لا ينكره إلا لغوب وإنما الغرض هنا بيان لزوم تقديم الدعاء له على كل دعاء، وذلك يتضح بذكر مقدمة شريفة وهي أن أسباب الحب ثلاثة: اللذة، والنفع، والخير، وأعظم هذه الأسباب وأكملها ثالثها (1) بل نقول: إن السببين الأولين أيضا يرجعان إلى ذلك، والمراد منه أن يكون وجود شئ خيرا بوجه من الوجوه فإن الإنسان إذا علم وجود شئ أو شخص ذا خير أحبه طبعا وإن لم يصل إليه من خبره شئ فكلما ازداد خيرا ازداد الإنسان حبا له بحسب درجات معرفته بخيرات وجوده.
أما اللذة فأي لذة للمؤمن أعلى وأحلى من زيارة جماله والتشرف بوصاله فإن فيه من اللذات الظاهرة والباطنة ما لا أكاد أحصيها ولذا كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتأوه شوقا إلى رؤيته كما في الحديث الذي رواه النعماني (2) في غيبته.
وأما النفع، فقد عرفت في الباب الثالث أن جميع المنافع إنما تصل إلى الخلق ببركات وجوده، مضافا إلى المنافع الخاصة المتوقفة على ظهوره، وانتشار نوره.
ونعم ما قيل بالعربية (لقد جمعت فيه المحاسن كلها) وبالفارسية: (آنچه خوبان همه دارند تو تنها داري).
وأما خيرات وجوده فعقولنا قاصرة، وأفكارنا فاترة عن إدراكها فما أوتينا من العلم إلا قليلا. لكن لكل امرئ فهم، ولكل مؤمن سهم. فمن كانت معرفته بخيرات وجوده أتم، كان الدعاء له في نظره أهم. لأن الاهتمام في الدعاء ناشئ عن كمال المحبة والولاء، وكمال المحبة ناشئ عن كمال المعرفة، وهذا أحد الوجوه لشدة اهتمام الأئمة (عليهم السلام) في الدعاء له (عليه السلام) وسؤال تعجيل فرجه من الملك العلام.
وسيأتي بعض الوجوه في صدر الباب السابع، مع زيادة شرح، وبيان لهذا الوجه فانتظر