الضروريات العملية، ثم دلني على رجل آخر في قرية أخرى على مسافة أكثر من القريتين فلما ذهبت ودخلت على الرجل رأيته أيضا في زي الروم، بل هو أشبه منهما وله الرياسة الشرعية والمنصب من سلطان الروم، فلما رآني سماني ولاطفني واستبشر وأقامني عنده وختنني وعاد علي بتلقين الأحكام وأمر الشريعة وأمرني بالتقية وطريقتها.. إلى أن قال لي يوما: يا سلمان لا بد لك اليوم من الرواح إلى كربلا. قلت: وما كربلا؟ وأين هي؟
فعلمني بها وأعلمني أنها أرض فيها بقعة الإمام الثالث سبط الرسول المختار (صلى الله عليه وآله وسلم) ومزار للزوار والشيعة الأخيار. فقلت: وكم المسافة إليها؟ قال: أكثر من أربعين منزلا، فقلت: كيف أقطع هذا المقدار من الطريق بلا زاد وراحلة ورفيق؟ فقال: إذهب فإن الله سيعينك فيها، ثم دفع إلي اثني عشر من الدراهم المسكوكة بسكة العثماني فبعث معي من يرشدني إلى الطريق الشارع العام فمشيت، فلما سرت وبعدت من القرية يسيرا صاحبني رجل خفيف الثقل فسأل عن مقصودي فأخبرته بالمقصود، فقال: وإني أيضا لسائر إلى نواحي كربلا وذاهب معك، فقلت: هل قطعت من هذا الطريق شيئا قبل ذلك؟ وهل تعرفها؟ قال: نعم، فسررت بذلك ومضيت معه فرأيته على طريقة الشيعة والإمامية إلا أني سترت عنه رعاية للاحتياط كما أمرني ساداتي ولم يتفحص هو عن عقيدتي أيضا وأنا لم أتق عنه لأني رأيته شيعيا فسرت معه مسرورا به يومين، حتى إذا كان الثالث فظهر نخيل وقبتان من ذهب متصلتان فقال لي الرجل: هذا نخيل بغداد وتوابعه وهاتان القبتان لموسى بن جعفر الإمام السابع ومحمد بن علي النقي الإمام التاسع (عليهما السلام)، وتلك السواد المعمورة تسمى كاظمين، ومنها إلى كربلا مسافة يومين فادخلها وزر الإمامين وقف بها حتى يخرج منها قافلة الزوار إلى كربلا فسر معهم، ثم فارقني وذهب عني من غير تكلم، ثم أتيت حتى انتهيت إلى الشط فعبرته بالعبرة (1) ودخلت الكاظمين وبقيت متشرفا بالزيارة إلى يومين فخرجت الثالث إلى بغداد للسياحة، فبينما أسير في السياحة فمررت على دكة نجار هناك، فلما عرف أني أهل حرفته وصنعته أحب أن أشتغل عنده أيام، فوقفت عنده، فلما رأى مهارتي تلاطف معي