إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد - السيد ميرزا جعفر الطباطبائي الحائري - الصفحة ٦١
فيكون لأجله مستثنى مما دل على منعه من حيث دخوله في عنوان الضرر على النفس ولو في الجملة.
واحتمال كون المراد من الفقرة المشار إليها غير ظاهرها كالإغراق ونحوه لا يتأتى ولا يتصور على مذهبنا معشر الإمامية (1) والحمل على نوع من المجاز بإرادة أنه لو يبست دموع العين مثلا لكان ينبغي أن يبكي له عليه السلام بدل الدموع دما مناف للسياق مع أنه لا داعي إلى ارتكابه فلتحمل على حقيقتها المتبادر منها فيدل على استثناء لبس السواد في مصابه للتحزن عليه عليه السلام به من أدلة كراهته بطريق أولى إن قلنا بشمول أدلتها لمثله ودخوله في موضوعها حسبما أشرنا إليه.
هذا والمروي من دأب مولانا زين العابدين صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين وديدنه بعد قتل أبيه عليه السلام في التحزن عليه بما لا يطيقه البشر ما دام حيا إلى أن لحق بأبيه صوات الله عليه (2)

(١) لكون المبالغة لا تخلو عن نوع من الكذب الغير الجايز ولا شك عندنا بأن كلام الله تعالى منزه عنه فليس فيه مبالغة لا إغراء أصلا وكذلك كلام النبي (ص) وكلام أوصيائه الأئمة الاثني عشر عليهم أفضل الصلاة والسلام.
(٢) في البحار ص ١٤٩ ج ٤٥ من الطبعة الحديثة: عن الصادق (ع) أنه قال:
أن زين العابدين (ع) بكى على أبيه أربعين سنة صائما نهاره وقائما ليله فإذا حضر الإفطار جائه غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول: قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل:
وحدث مولى له (ع) أنه برز يوما إلى الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكائه وأحصيت عليه ألف مرة لا إله إلا الله حقا لا إله إلا الله تعبدا ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا ثم رفع رأسه من السجود وإن لحيته ووجهه قد غمر بالماء من دموع عينيه.
فقلت: يا سيدي ما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل: فقال لي ويحك إن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم (ع) كان نبيا ابن نبي كان له اثني عشر ابنا فغيب الله سبحانه واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وأنا فقدت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعا مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي انتهى.
هذا وكان (ع) إذا أخذ إناء بشرب الماء بكى حتى يملأها دما فقيل له في ذلك فقال وكيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقا للسباع والوحوش وقيل له إنك لتبكي دهرك فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا فقال نفسي قتلتها وعليها أبكي كما في المناقب:
وقال: مولانا الرضا عليه السلام إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسبل دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلا وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون فإن البكاء عليه يحط الذنوب العظام ثم قال (ع) كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكا وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي عشرة أيام منه فإذا كان يوم العاشر كان ذلك يوم مصيبته وحزنه وبكائه الحديث: فقوله اقرح جفوننا: هو مما يدل على استمرار بكائهم طول حياتهم جميعا على العموم كما يقتضيه التعبير بلفظ الجمع ومعلوم أن القرح في العين لا يحصل إلا بعد شدة البكاء والجهد فيه في مدة طويلة.
ومعنى أسبل الدمع هو إذا هطل وهذا يدل على جواز البكاء على سيد الشهداء ( ع) وإن استلزم منه قرح العين وجرحه كما وإليه ذهب جماعة منهم العلامة الفقيه الشيخ على البحراني قده في رسالته الموضوعة لإقامة المآتم على الحسين (ع) المسماة بقامعة أهل الباطل المطبوعة في بمبئي سنة 1306 ص 20 وص 27 فراجع ولاحظ.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 » »»