إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد - السيد ميرزا جعفر الطباطبائي الحائري - الصفحة ٥٩
لذلك تعبيره عليه الصلاة والسلام عنهما بنحو التأكيد البليغ الصريح في دوام ذلك منه عجل الله فرجه في مصاب جده المظلوم أرواحنا له الفداء يدل دلالة واضحة على أنه صلوات الله عليه يحق لذلك ولأمثاله مما يدخل في عنوان الحزن في مصابه صلوات الله عليه فضلا عن غيره مما هو دونه مع صدق العنوان المطلوب عليه في العرف والعادة الذي منه لبس السواد في مصابه.
فإنه أولى بالرجحان مما هو أعظم منه الذي قد عرفت أنه مما عساه يدخل في عنوان الضرر الممنوع عنه شرعا ولا الرخصة من مولانا الحجة عجل الله فرجه (1) بمقتضى ظاهر سياق عبارته المقرونة بالتأكيد

(١) قد وردت روايات مستفيضة تدل على جواز بل استحباب زيارته عليه السلام استحبابا مؤكدا ولو كانت مستلزمة للمشقة الكثيرة والتعب المجهد بل وإن استلزم الخوف من القتل والمثلة والسجن أو الضرب ونحوها مثل ما رواه ابن قولويه رحمه الله في ص ١٢٥ من كامل الزيارات عن زرارة: قال قلت لأبي جعفر (ع) ما تقول فيمن زار أباك على خوف قال يؤمنه الله يوم الفزع الأكبر وتلقاه الملائكة بالبشارة ويقال له لا تخف ولا تحزن هذا يومك الذي فيه فوزك:
وقال الصادق (ع) لمعاوية بن وهب: لا تدع زيارة الحسين (ع) لخوف فإن من تركه رأى من الحسرة ما يتمنا أن قبره عنده الحديث أي لا تدع زيارته من خوف القتل أو المثلة أو السجن والضرب ونحوها: فإن الإنسان ليتمنى بعد موته أن لو زاره وقتل عنده وأقبر في بلده الأطهر.
وقال الإمام الباقر (ع) لمحمد بن مسلم هل تأتي قبر الحسين (ع)؟ قال نعم على خوف ووجل: فقال ما كان من هذا أشد فالثواب على قدر الخوف ومن خاف في إتيانه آمن الله روعته يوم القيامة يقوم الناس لرب العالمين الحديث في ص ١٢٧ من كامل الزيارات وتتمته في ص ٢٧٦ فراجع ولاحظ.
وقال هشام بن سالم لمولانا الصادق (ع): (فما لمن قتل عنده) يعني عند الحسين (ع) (جار عليه سلطان فقتله) قال الصادق (ع) أول قطرة من دمه يغفر له بها كل خطيئة وتغسل طينته التي خلق منها الملائكة حتى تخلص كما خلصت الأنبياء المخلصين ويذهب عنها ما كان خالطها من أجناس طين أهل الكفر ويغسل قلبه ويشرح صدره ويملأ إيمانا فيلقى الله وهو مخلص من كل ما تخالطه الأبدان والقلوب ويكتب له شفاعة في أهل بيته وألف في إخوانه إلى أن قال (ع) بعد عد جملة من المناقب فإن ضرب بعد الحبس في إتيانه كان له بكل ضربة حوراء وبكل وجع يدخل على بدنه ألف ألف حسنة ويمحي بها ألف ألف سيئة ويرفع له بها ألف ألف درجة ويكون من محدثي رسول الله (ص) حتى يفرغ من الحساب فيصافحه حملة العرش الحديث: مذكور في ص ١٢٣ وص ١٦٥ بسند آخر عن صفوان من كامل الزيارات: هذا والروايات في هذا الباب كثيرة ذكرنا جملة منها في ج ل من كتابنا أحسن الجزاء المطبوع في قم المشرفة سنة 1399 فراجع وهذه الروايات كما ترى تدل دلالة واضحة على استحباب زيارة الحسين (ع) مهما بلغ الأمر من الخوف والقتل والضرب والسجن وقد ذهب إليه غير واحد من الفقهاء والمحققين لهذه النصوص في جميع الأزمان والأوقات من غير تقييد لها بذلك الزمان بالخصوص: إذا .
ومنها يمكن أن يستفاد جواز ضرب القامات على الرؤوس وإدماء الظهر بسلاسل الحديد ونحوهما بشرط الأمن والسلامة من الضرر المنجر إلى الموت أو شل عضو بواسطته مضافا إلى الأصل المقتضي لإباحة ما ذكرناه في عزائه (ع) كما لا يخفى كما تفعله الشيعة وستفعله إلى يوم القيامة إن شاء الله تعالى وذلك لورود الحث الأكيد على إقامة العزاء والمأتم عليه روحي لتراب حافر فرسه الفداء كما لا يخفى على المتأمل التدقيق.
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»