إرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد - السيد ميرزا جعفر الطباطبائي الحائري - الصفحة ٢٥
مضافا إلى قاعدة التسامح في أدلة الكراهة والسنن (1) هل هي ذاتية
(١) اختلف الأصحاب رضوان الله عليهم في مفاد هذه القاعدة المشهورة بقاعدة التسامح هل إنها تدل على ثبوت استحباب الفعل وكراهته بمجرد وصول خبر ضعيف عليه أو لا؟ بل لا بد من الإتيان بالفعل يقصد الرجاء والثواب دون ثبوت الاستحباب للفعل نفسه؟ فالظاهر من الأخبار هو الثاني ولا دلالة لها على ما ذهب إليه المشهور أصلا: هذا ولا بأس بنقل تلك الأخبار تبركا وتيمنا بها في المقام.
فهي على ما رواها شيخنا الحر في الوسائل ج ل ص ٥٩ باب استحباب الإتيان بكل عمل مشروع روى له ثواب منهم عليهم السلام.
(منها) ما رواه عن الصدوق بسنده عن صفوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
من يلغه شئ من الثواب على شئ من الخير فعمل (فعمله - خ ل) به كان له أجر ذلك وإن كان (وإن لم يكن على ما بلغه - خ ل) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله.
(ومنها) ما رواه عن البرقي ره في المحاسن بسنده عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شئ من الثواب فعمله كان أجر ذلك له كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله.
(ومنها) عن محمد بن مروان عن أبي عبد الله عليه السلام قال من بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شئ من الثواب ففعل ذلك طلب قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له ذلك الثواب وإن كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقله.
(ومنها) عن علي بن محمد القاساني عمن ذكره عن عبد الله ابن القاسم الجعفري عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وعده الله علي عمل ثوابا فهو منجزه له ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار.
(أقول) وهذا الحديث يدل على ترتب الثواب على العمل المقطوع ثبوته لا العمل الذي بلغ عليه الثواب وهو لم يثبت في حد نفسه بعد وعليه فهو خارج عما نحن فيه كما لا يخفي فتأمل.
(ومنها) ما رواه عن شيخنا الكليني قده محمد بن يعقوب عن علي ابن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من سمع شيئا من الثواب علي شئ فصنعه كان له وإن لم يكن علي ما بلغه.
(ومنها) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن عمران الزعفراني عن محمد بن مروان، قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من بلغه ثواب من الله علي عمل فعمل ذلك العمل التماس ذلك الثواب أوتيه وإن لم يكن الحديث كما بلغه.
(ومنها) ما رواه عن ابن فهد قده في عدة الداعي: قال روى الصدوق عن محمد بن يعقوب بطرقه إلى الأئمة عليهم السلام أن من بلغه شئ من الخير فعمل به كان له من الثواب ما بلغه وإن لم يكن الأمر كما نقل إليه.
(ومنها) ما رواه عن السيد بن طاووس قده في كتاب (الإقبال) عن الصادق عليه السلام قال: من بلغه شئ من الخير فعمل به كان له ذلك الثواب وإن لم يكن الأمر كما بلغه انتهى.
فهذا هو مجموع ما ذكر من الروايات في هذا الباب: وأنت ترى أن هذه الأخبار الساطعة الأنوار ظاهرة الدلالة واضحة المقالة أن الأجر والثواب مترتبان على العمل المأتي به بداعي البلوغ، ورجاء درك الثواب لا صيرورة العمل بهذه الأخبار مستحبا كما ليس للبلوغ والخبر الضعيف سببية في انقلاب العمل عما هو عليه فتكون مفادها هو الإرشاد إلى حكم العقل بحسن الانقياد غير أن الله تعالى في هذا الانقياد يفضل على العبد بالثواب البالغ على العمل وإن كان العمل غير ثابت في الواقع بل وإن كان غير مشروع ثبوتا من دون نظر لها إلى إثبات استحباب أصل العمل وكما هو الظاهر من جملة منها المقيدة بطلب قول النبي (ص) أو التماس ذلك الثواب، إذا استحباب العمل بقاعدة التسامح لا يخلو عن التسامح: وأما دلالتها على ترتب الثواب على الترك للعمل البالغ عليه خبر ضعيف بالكراهة فوجهان: أظهرهما ذلك لكون الترك مستندا إلى امتثال قول النبي صلى الله عليه وآلهوصدق أنه طلب قول النبي (ص) كما لا يخفى فلاحظ جيدا هذا وللقولين ثمرات مذكورة في محلها من رامها فليراجع محلها من كتب الأصول.