فأن كان النذر للآباء والأمهات كفرا، كان هذا كفرا، وإلا فلا. فمن حاول بالنذر حصول الثواب والتقرب إلى الله زلفى من المنذور له، على أن يكون الفعل له لا على أن يكون الثواب له، فهو ضال مضل. وأما من قصد خلاف ذلك، فلا بأس عليه.
واختيار بعض الأمكنة للنذور طلبا لشرف المكان، حتى يتضاعف ثواب العبادة، كما يختار بعض الأزمنة لبعض العبادات، لا بأس به، بل لا بأس بتخصيص بعض الأمكنة المباركة، وهو مستفاد من الأخبار، كما لا يخفى على من حام حول الديار.
روى ثابت بن الضحاك (1)، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن رجلا سأله أنه نذر أن يذبح ببوانة، قال: هل كان فيها وثن يعبد؟ قال: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ فقال: لا، فقال: ف بنذرك (2).
ثم إني أعلم والله أنك لو وضعت مناديا ينادي في بلاد الإسلام، ويعلن بصوته في كل مقام، ليجد شخصا يعد من نوع الإنسان يقصد بنذره غير وجه الملك الديان، لرجع إليك صفر اليدين، ولم يجد ناذرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، أو الصحابة، أو الحسنين عليهما السلام.
وكيف يقصدونهم بنذورهم وعباداتهم مع علمهم بمماتهم؟ وإذا دخلوا إلى مواضع قبورهم قرأوا لهم القرآن، وأهدوا إليهم من صلاتهم بعض ما كان، ودعوا لهم برفعة الدرجات، وزيادة الأجر عند رب السماوات، فأن كانوا معبودين باعتقادهم، فكيف يهدون إليهم عبادة العبيد؟!
ليت شعري كم من الفرق بين من يعبد ليقرب إلى الله زلفى، وبين من يعبد الله عنه ليقربه الله زلفى.
والله ما نذرت نذور، ولا جزرت جزور، ممن يتصف بالأيمان، ويقر بالشهادتين بالقلب واللسان، إلا لوجه الملك الديان، وطلبا لرضى الواحد المنان.
فمن كانت هذه مقاصدهم، وعلى ذلك بنوا قواعدهم، كيف ينسبون إلى عبادة غير الله، ويشبهون بعبدة الأصنام المثبتين شريكا للملك العلام؟!
ليت شعري لو أن الرسل جاءت بالسجود للأحجار، أو لبعض الكواكب والأشجار،