ثم إني - والله - أخشى عليك من جهة أنك كنت خالي البال، بعيد عن هذه المحال فوردت عليك شبهات لم تستطع ردها، وخيالات لم تبلغ حدها، فكان الحال كما قال:
(صادف قلبا خاليا فتمكنا) (1).
وأما اليوم، فليس لك عند الله عذر، فقد علمت بالأخبار، وسمعت بطريقة الخلفاء الأبرار، فأجد نظرك، واستعمل فكرك، واخلع عن نفسك ربقة التقليد، واطلب من ربك التأييد والتسديد.
ثم ما ذكرت إنما يدل على أن الحق مع القليل من المكلفين لا من المسلمين، فأن أكثر أهل الأرض كفار من يهود، ونصارى، ومشركين، وجاحدين، وغيرهم، حتى أن نسبة إقليم المسلمين إلى سائر الأقاليم أقل قليل.
فنحن نقول بأن من أطاع أكثر الخلق ضال، لأن أكثر الناس من أهل الكفر والضلال، وان الشكور قليل، وان بعث أهل الجنة من الألف واحد، ولو استندت في هذا إلى حديث الفرق، فوحدة الفرقة لا تنافي زيادة أفرادها على ألف فرقة.
والحق أنه لا ملازمة بين القلة والكثرة، وبين الحق والباطل، فكم من قليل هدي إلى الصواب، وكثير حل عليه المؤاخذة والعقاب، وكم قد انعكس الأمر في هذا الباب، والمدار على طلب العصمة والنجاة من رب الأرباب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
تمت علي يد أقل العباد عملا، وأكثرهم زللا محمد قاسم ابن شيخ محمد بن حمزة الدلبزي في سنة ألف ومائتين وعشرة.