وسيأتي على الناس زمان من عمل بعشر ما أمر به نجا " (1).
ومن الكتاب قال: دخل ضرار بن ضمرة الليثي (2) على معاوية بن أبي سفيان - حسبه الله - يوما فقال له: يا ضرار، صف عليا، فقال: أو تعفيني من ذلك؟ فقال:
لا أعفيك.
فقال: كان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته.
كان - والله - غزير العبرة (3)، طويل الفكرة، (يحاسب نفسه) (4)، ويقلب كفه، ويخاطب نفسه، ويناجي ربه، يعجبه من اللباس ما خشن، ومن الطعام ما جشب.
كان - والله - فينا كأحدنا، يدنينا إذا أتيناه، ويجيبنا إذا سألناه، وكنا مع دنوه منا وقربنا منه، لا نكلمه لهيبته، ولا نرفع أعيننا إليه لعظمته، فأن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد بالله، لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم (5)، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول: " يا دنيا، يا دنيا، إلي - تعرضت، أم إلي تشوقت (6):
هيهات، هيهات، غري غيري، لا حاجة لي فيك، قد بتتك (7) ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك