عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم قال:
" أما بعد: فإن الله - جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه - خلق خلقه فألزمهم عبادته، وكلفهم طاعته، وقسم بينهم معايشهم، ووضعهم في الدنيا بحيث وضعهم، وهو في ذلك غني عنهم، لا تنفعه طاعة من أطاعه، ولا تضره معصية من عصاه منهم، لكنه علم تعالى قصورهم عما تصلح عليه شؤونهم، وتستقيم به دهماؤهم في عاجلهم وآجلهم، فارتبطهم بإذنه في أمره ونهيه، فأمرهم تخييرا، وكلفهم يسيرا، وأثابهم كثيرا، وأماز بينهم سبحانه بعدل حكمه وحكمته، بين الموجف (١) من أنامه إلى مرضاته ومحبته، وبين المبطئ عنها والمستظهر منهم على نعمته بمعصيته، فذلك قول الله عز وجل: ﴿أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون﴾ (2).
ثم وضع أمير المؤمنين صلوات الله عليه يده على منكب همام بن عبادة فقال:
" ألا من سأل عن شيعة أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم في كتابه مع نبيه تطهيرا، فهم العارفون بالله، العاملون بأمر الله، أهل الفضائل والفواضل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، بخعوا (3) لله تعالى بطاعته، وخضعوا له بعبادته، فمضوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم، واقفين أسماعهم على العلم بدينهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت منهم في الرخاء، رضى منهم لله بالقضاء، فلولا الآجال التي كتب الله لهم، لم تستقر أرواحهم في أجساده طرفة عين، شوقا إلى لقاء الثواب، وخوفا من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم، وصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها، فهم على أرائكها متكئون، وهم والنار كمن قد دخلها، فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحوائجهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، ومعونتهم في الإسلام عظيمة، صبروا أياما قليلة فأعقبتهم راحة طويلة، وتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم.
أناس أكياس، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وطلبتهم فأعجزوها، أما الليل فصافون أقدامهم، تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا، يعظون أنفسهم بأمثاله، يستشفون