نهلا، وسلك سبيلا جددا، قد خلع سرابيل الشهوات، وتخلى من الهموم إلا هما واحدا انفرد به، فخرج من صفة العمى، ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه، وسلك سبيله، وعرف مناره، وقطع غماره (1)، واستمسك من العرى بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من اليقين على مثل ضوء الشمس.
قد نصب نفسه - لله سبحانه - في أرفع الأمور، من إصدار كل وارد عليه، وتصيير كل فرع إلى أصله، مصباح ظلمات، كشاف غشوات، مفتاح مهمات، دفاع معضلات، دليل فلوات، يقول فيفهم، ويسكت فيسلم.
قد أخلص لله سبحانه فاستخلصه، فهو من معادن دينه، وأوتاد أرضه، قد ألزم نفسه العدل، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه، يصف الحق ويعمل به، لا يدع للخير غاية إلا أمها، ولا مظنة إلا قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، يحل حيث كان محله، وينزل حيث كان منزله.
وآخر قد تسمى عالما وليس به، فاقتبس جهائل من جهال، وأضاليل من ضلال، ونصب للناس أشراكا من حبائل غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه، وعطف الحق على أهوائه، يؤمن من العظائم، ويهون كبير الجرائم، يقول:
أقف عند الشبهات، وفيها وقع، ويقول: أعتزل البدع، وبينها اضطجع، فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان، لا يعرف باب الهدى فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، فذلك ميت الأحياء.
فأين تذهبون! وأنى تؤفكون! والأعلام قائمة، والآيات واضحة، والمنار منصوبة، فأين يتاه بكم! بل كيف تعمهون! وبينكم عترة نبيكم، وهم أزمة الحق، وألسنة الصدق، فأنزلوهم بأحسن منازل، وردوهم ورود الهيم العطاش.
أيها الناس، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم: إنه يموت من يموت منا وليس بميت، ويبلى من بلي وليس ببال، فلا تقولوا ما لا تعرفون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون، وأعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر!
وأترك فيكم الثقل الأصغر! وركزت فيكم راية الإيمان! ووقفتكم على الحلال والحرام!
وألبستكم العافية من عدلي! وفرشتكم المعروف من قولي وفعلي! وأريتكم كرائم