كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٩٩
أحدهما: أن الجرح مضرة والتكليف نفسه ليس بمضرة وإنما المشقة في الأفعال التي يتناولها التكليف.
الثاني: أن الجرح والتداوي إنزال مضرة لا غرض فيه إلا التخلص من تلك المضرة بخلاف التكليف.
وعن الثاني: أن المراضاة تعتبر في المعاوضات لاختلاف أغراض الناس في التعامل جنسا ووصفا أما إذا لم يكن هناك معاوضة وبلغ النفع حدا يكون غاية ما يطلبه العقلاء لم يختلف العقلاء في اختيار المشقة بسببه حتى أن العقلاء يسفهون الممتنع منه.
وعن الثالث: أن الشكر لا يشترط فيه المشقة والله تعالى قادر على إزالة صفة المشقة عن هذه الأفعال، فلو كان التكليف شكرا لزم العبث في صفة المشقة ولأن طلب الفعل الشاق شكرا يخرج النعمة عن كونها نعمة.
قال: ولأن النوع محتاج إلى التعاضد المستلزم للسنة النافع استعمالها في الرياضة وإدامة النظر في الأمور العالية، وتذكر الإنذارات المستلزمة لإقامة العدل مع زيادة الأجر والثواب.
أقول: لما ذكر المصنف رحمه الله حسن التكليف على رأي المتكلمين شرع في طريق الإسلاميين من الفلاسفة، فبدأ بذكر الحاجة إلى التكليف، ثم ذكر منافعه الدنيوية والأخروية.
وتحقيقه أن نقول: إن الله خلق الإنسان مدنيا بالطبع (1) لا كغيره من

(1) هذا البرهان مركب من أمور:
1 - بقاء النوع (الإنسان) ببقاء الأشخاص أمر حسن.
2 - لا تحصل تلك الغاية إلا بالتعاضد والتعاون.
3 - أن الحياة الجماعية، مظنة التنازع.
4 - لا محيص في رفعه من وضع قانون وسنة عادلة.
5 - لو اشترك الناس كلهم في وضع القانون عاد التنازع فلا بد أن يكون مستندا إلى شخص متميز عنهم بكمال قواه.
6 - التعرف على ذلك الشخص يتحقق بمعجزات تدل على أنها (السنة) من عند الله.
7 - الناس مختلفون في قبول الخير والشر حسب اختلاف أمزجتهم. فوجب أن يكون هذا الشارع (النبي) مؤيدا بالبرهان، والوعظ، و...
8 - بما أن النبي لا يتفق في كل زمان، لكن وجب بقاء الشريعة إلى وقت اضمحلالها، ففرضت عليهم العبادات وفيها منافع ثلاث....
يلاحظ عليه: أولا: أن فرض كون الإنسان مدنيا بالطبع، يغني عن الأمر الثاني لأنه صورة عملية للأول، ثم هل الإنسان مدني بالطبع كما عليه الحكماء الأقدمون، أو هو مسخر بالطبع، أي يسخر غيره لقضاء حوائجه كما عليه العلامة الطباطبائي في بعض رسائله ولعله إلى هذا يشير قوله سبحانه:
(أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون) (الزخرف: 32)، أو هو موجود محاسب يحاسب خيره وشره ونفعه وضره فيختار أقل الطرق ضررا وأكثرها نفعا وهو التعايش الاجتماعي، فالحياة الاجتماعية وليد فكرته الحاسبة لا فطرته عن لا وعي، هذه هي الأنظار المطروحة في المقام.
ثانيا: يظهر من الشارح أن النبي شارع مع أن الشارع بحكم التوحيد في التقنين هو الله سبحانه والنبي الأكرم هو المبشر والمنذر الحامل لرسالات الله ونذره.
وثالثا: أن المهم في البرهان هو التركيز على شرائط المقنن وأنه لا بد أن يكون موجودا كاملا عارفا بالإنسان بعامة خصوصياته وغرائزه الطبيعية، وما يفيده وما يضره ويصده عن الكمال، وأن يكون منسلخا عن كل نفع وضرر فيما يضع ويسن، وألا يتأثر عن لا وعي فيقدم منافعه على منافع الغير وليس المقنن بهذه الأوصاف إلا الله سبحانه.
وعلى ضوء ذلك فأكثر ما ذكره أخيرا لا حاجة إليه.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»