كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٧٥
قال: وتعذر المماثلة في بعض الأفعال لتعذر الإحاطة.
أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى ذكرها قدماؤهم، وهي: أنا لو كنا فاعلين لصح منا أن نفعل مثل ما فعلناه أولا من كل جهة، لوجود القدرة والعلم، والتالي باطل فالمقدم مثله.
وبيان بطلان التالي: أنا لا نقدر على أن نكتب في الزمان الثاني مثل ما كتبناه في الزمان الأول من كل وجه بل لا بد من تفاوت بينهما في وضع الحروف ومقاديرها.
وتقرير الجواب: أن بعض الأفعال تصدر عنا في الزمان الثاني مثل ما صدرت في الزمان الأول مثل كثير من الحركات والأفعال وبعضها يتعذر علينا فيه ذلك لا لأنه ممتنع ولكن لعدم الإحاطة الكلية بما فعلناه أولا فإن مقادير الحروف إذا لم نضبطها لم يصدر عنا مثلها إلا على سبيل الاتفاق.
قال: ولا نسبة في الخيرية بين فعلنا وفعله تعالى.
أقول: هذا جواب عن شبهة أخرى لهم، قالوا: لو كان العبد فاعلا للإيمان لكان بعض أفعال العبد خيرا من فعله تعالى، لأن الإيمان خير من القردة والخنازير، والتالي باطل بالإجماع فالمقدم مثله.
والجواب: أن نسبة الخيرية هنا منتفية، لأنكم إن عنيتم بأن الإيمان خير أنه أنفع فليس كذلك لأن الإيمان إنما هو فعل شاق مضر على البدن (1) ليس فيه خير عاجل، وإن عنيتم به أنه خير لما فيه من استحقاق المدح والثواب به

(1) لما أراد الشارح رد الشبهة على مسلك المعتزلة، من انقطاع فعل العبد عن الله سبحانه وكونه مستقلا في الفعل، أتى بهذا الجواب الذي لا شك في عدم استقامته، إذ كيف يكون الإيمان فعلا شاقا مع أنه سبحانه قال: * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * (الحج: 78) وكيف يكون مضرا على البدن لو أراد الصلاة والصوم فإنهما ليسا بمضرين بالبدن، وإن أراد الحج فليس فيه أي ضرر ولو كانت فيه مشقة، فربما يتحملها الإنسان لغايات عظيمة، على أن الأضرار الصغيرة على فرض وجودها في مقابل غاياتها الكبيرة ليست أضرارا " ومن طلب العلى سهر الليالي ".
والأولى أن يجاب أن فعل الإنسان، كما هو فعله وهو في الوقت نفسه فعل الله سبحانه، " والفعل فعل الله وهو فعلنا " فلو كان فيه حسن فهو أيضا مستند إليه، فلا يلزم أن يكون فعل الإنسان أحسن من فعله سبحانه.
أضف إلى ذلك أن العلامة لم يشرح عبارة الماتن حيث قال: " ولا نسبة في الخيرية بين فعلنا وفعله "، ومقصوده أن النسبة في الخيرية إنما يكون بين المتحدين نوعا، وما ذكرتم ليس كذلك.
(٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 ... » »»