كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٨٠
أشركنا ولا آباؤنا) * (1) (2) * (وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم) * (3).
(١) الأنعام: ١٤٨.
(٢) يريد بذلك إثبات أن القول بالجبر هو عقيدة المشركين كما هو ظاهر الآية والآية التي بعدها. إن التأمل في عقائد بعض العرب في الجاهلية يوحي بأنهم كانوا قائلين بالقدر ومثبتين له بشكل يستنتجون منه سلب المسؤولية عن أنفسهم وإلقاءها على عاتق القدر. وهذا التفسير كان رائجا بينهم وإن لم يعم الجميع، يقول سبحانه: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شئ كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون) (سورة الأنعام: ١٤٨).
ولعل قوله سبحانه: * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون) * (الأعراف: ٢٨) يشير إلى أنهم كانوا يعتذرون بأن تقديره سبحانه يلازم الجبر ونفي الاختيار، والله سبحانه يرد على تلك المزعمة بقوله: * (قل إن الله...) *.
فقد بقيت هذه العقيدة الموروثة من العصر الجاهلي في أذهان بعض الصحابة، فقد روى الواقدي في مغازيه عن أم الحارث الأنصارية وهي تحدث عن فرار المسلمين يوم حنين قالت: " مر بي عمر بن الخطاب (منهزما) فقلت: ما هذا؟ فقال عمر: أمر الله " (١).
والعجب أن تلك العقيدة بقيت في أذهان بعض الصحابة حتى بعد رحلة النبي صلى الله عليه وآله و سلم فهذا السيوطي ينقل عن عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى أبي بكر فقال: " أرأيت الزنا بقدر؟
قال: نعم، قال: فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ فقال: نعم يا بن اللخناء، أما والله لو كان عندي إنسان أمرته أن يجأ أنفك " (٢).
لقد كان السائل في حيرة من أمر القدر فسأل الخليفة عن كون الزنا مقدرا من الله أم لا، فلما أجاب الخليفة بنعم، استغرب ذلك لأن العقل لا يسوغ تقديره سبحانه شيئا على وجه يسلب الاختيار عن الإنسان في فعله أو تركه ثم تعذيبه عليه، ولذلك قال: " فإن الله قدره علي ثم يعذبني؟ " فعند ذاك أقره الخليفة على ما استغربه وقال: " نعم يا بن اللخناء ".
- ١ - الواقدي: المغازي: ٣ / ٩٠٤.
٢ - السيوطي: تاريخ الخلفاء: ٩٥.
(٣) الزخرف: ٢٠.