كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٢٩٥
وقال أبو هاشم: لا يجب لجواز خلو القادر بقدرة عنهما (1).
قال: وكذا المعلول مع العلة (2).
أقول: إذا فعل المكلف العلة قبل وجود المعلول هل يجب عليه الندم على المعلول أو على العلة أو عليهما، مثاله الرامي إذا رمى قبل الإصابة؟ قال الشيوخ:
يجب الندم على الإصابة لأنها هي القبيح وقد صارت في حكم الموجود لوجوب حصوله عند حصول السبب.
وقال القاضي: يجب عليه ندمان: أحدهما على الرمي لأنه قبيح، والثاني على كونه مولدا للقبيح، ولا يجوز أن يندم على المعلول، لأن الندم على القبيح إنما هو لقبحه وقبل وجوده لا قبح.
قال: ووجوب سقوط العقاب بها (3).
أقول: المصنف رحمه الله استشكل وجوب سقوط العقاب بها.

(1) أي عن الندم والإصرار.
(2) أي وكذا في المعلول مع العلة إشكال، ولا يخفى أن المسألة نادرة الابتلاء لأن الفترة بين الرمي والإصابة قليلة، وقلما يتفق لإنسان إمكان حصول الندم قبل الإصابة حتى نبحث عن حكمه، وعلى كل تقدير فهناك أقوال ذكرها الشارح، والعجب من قول القاضي عبد الجبار حيث أوجب الندمين على الرمي.
(3) أي وكذا في وجوب سقوط العقاب بها إشكال، وكان للمصنف أن يكتفي في العبارة بخبر واحد (إشكال) في مجموع الجمل الأربع المتقدمة التي بدؤها قوله: " وفي إيجاب التفصيل مع الذكر " الخ. ومحور البحث في المقام هو كون التوبة مسقطة للعقاب عقلا أولا، وأما شرعا فلا شك أنه مسقط للعقاب وقد تضافر عنهم قولهم: " التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له " وقال سبحانه:
(وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى) (طه: 82) فذهبت المعتزلة إلى وجوب سقوطه عقلا بوجهين:
أحدهما: أن العاصي كما هو مكلف بالتوبة مكلف بسائر التكاليف، فلو افترضنا أنه كذب وتاب ومع ذلك صلى وزكى وحج، فلو لم يسقط عقاب الكذب بالتوبة يلزم اجتماع الثواب والعقاب في زمان واحد وهو محال، ومن جانب آخر لا مسقط للعقاب غير التوبة، فعلى ضوء ذلك يلزم أن تكون التوبة مسقطة للعقاب حتى لا يجتمع الضدان.
والاستدلال مبني على أن مرتكب الكبيرة ومستحق العقاب (كالتائب في المقام على القول بعدم سقوط عقابه بالتوبة) مخلد في النار ومعه كيف يمكن أن يثاب، ولكن المبنى باطل لما قلنا بأنه غير مخلد فيمكن أن يتوب ولا يسقط عقابه فيعاقب فترة فيخرج من النار ويثاب.
ثم إن قوله: " وبغير التوبة لا يسقط العقاب " مبني على أن الشفاعة بمعنى ترفيع الدرجة لا إسقاط العقاب وإلا فيبطل الاستدلال.
ثانيهما: ما أشار إليه بقوله: " أن من أساء إلى غيره واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات... "، وأجاب عنه الشارح بوجه لا يحتاج إلى توضيح، إلا قوله في الجواب: " لكن نمنع المساواة بين الشاهد والغائب ".
(٢٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 300 ... » »»