كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٢٩٧
الثاني: أن من أساء إلى غيره واعتذر إليه بأنواع الاعتذارات وعرف منه الإقلاع عن تلك الإساءة بالكلية فإن العقلاء يذمون المظلوم إذا ذمه بعد ذلك.
والجواب عن الأول: لا نسلم انحصار سقوط العقاب في التوبة، لجواز سقوطه بالعفو أو بزيادة الثواب، سلمنا لكن نمنع عدم اجتماع الاستحقاقين لأن عقاب الفاسق عندنا منقطع.
وعن الثاني: بالمنع من قبح الذم، سلمنا لكن نمنع المساواة بين الشاهد والغائب.
وأما المرجئة فقد احتجوا بأنه لو وجب سقوط العقاب لكان إما لوجوب قبولها أو لكثرة ثوابها، والقسمان باطلان:
أما الأول فلأن من أساء إلى غيره بأنواع الإساءات وأعظمها كقتل الأولاد ونهب الأموال ثم اعتذر إليه فإنه لا يجب قبول عذره.
وأما الثاني فلما بينا من إبطال التحابط.
المسألة الثالثة عشرة: في باقي المباحث المتعلقة بالتوبة قال: والعقاب يسقط بها (1) لا بكثرة ثوابها، لأنها قد تقع محبطة، ولولاه لا يبقى الفرق بين التقدم والتأخر، ولا اختصاص، ولا تقبل في الآخرة لانتفاء الشرط.

(١) المسألة مركزة على أن التوبة بنفسها إذا كانت جامعة للشرائط تسقط العقاب أو أنها تورث كثرة الثواب وبها يسقط العقاب، واختار المصنف الوجه الأول واستدل عليه بأمور أربعة:
أ - أنها قد تقع محبطة، المقصود من " محبطة " - بفتح الباء -: التوبة العارية عن الثواب كتوبة الخارج عن طاعة الإمام، إذا تاب عن الكذب فتقبل توبته ويسقط العقاب ولكن لا بثوابها لأن الخارجي محروم عن الثواب، فلو كانت التوبة مؤثرة بثوابها لزم عدم قبول التوبة في هذه الصورة.
ب - لولاه لما يبقى الفرق بين التقدم والتأخر، وفي بعض النسخ: ولولاه لانتفى الفرق بين التقدم والتأخر، ومقصوده أنه لو كانت التوبة مؤثرة بإثارة كثرة الثواب يجب أن تكون مؤثرة أيضا إذا وقعت قبل المعصية، فالثواب المتحصل بالتوبة المتقدمة يزيل عقاب العمل المتأخر. ولا يخفى ضعف الاستدلال لأن حقيقة التوبة هي الندم عن العمل، فما معنى الندم قبل العمل؟
ج - قوله: " ولا اختصاص "، وفي بعض النسخ: " والاختصاص "، ولعله الأصح أي انتفى الاختصاص، مثلا نفترض أن إنسانا كذب واغتاب ونم فتاب عن الكذب فأثارت ثوابا فلا وجه لإسقاطها عقاب الأول، لأن نسبة الثواب إلى الأعمال الثلاثة وعقوباتها سواسية.
د - " ولا تقبل في الآخرة لانتفاء الشرط " جواب عن استدلال الخصم على أن التوبة بإثارتها الثواب يسقط العقاب، وحاصل الاستدلال أنها لو كانت بما هي هي مسقطة له فيجب أن تكون مسقطة في الآخرة، مع أنها ليست كذلك، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بأنها مسقطة بإثارة الثواب، فلا تكون مسقطة، لأن الثواب والعقاب راجعان إلى دار التكليف وليست إلا الدنيا وأما الجواب فواضح.
(٢٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 292 293 294 295 296 297 298 299 300 301 302 ... » »»