كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ٢٥٣
إذ هو ممكن وكل ممكن فإنه بالنظر إلى ذاته لا يجب له الوجود فلا يوجد إذ لا وجود إلا للواجب بذاته أو بغيره، فهو هالك بالنظر إلى ذاته، فإذا فرق أجزاءه كان هو العدم، فإذا أراد الله تعالى إعادته جمع تلك الأجزاء وألفها كما كانت، فذلك هو المعاد.
ويدل على هذا التأويل قوله تعالى في سؤال إبراهيم عليه السلام عن كيفية الإحياء للأجزاء في الآخرة، لأنه تعالى لا يحيي الموتى في دار التكليف وإنما الإحياء يقع في الآخرة فسأل عليه السلام عن كيفية ذلك الإحياء، وهو يشتمل على السؤال عن جميع المقدمات التي يفعلها الله تعالى حتى يهيئهم ويعدهم لنفخ الروح، فأمره الله تعالى بأخذ أربعة من الطير وتقطيعها وتفريق أجزائها ومزج بعض الأجزاء ببعض ثم يفرقها ويضعها على الجبال ثم يدعوها، فلما دعاها ميز الله تعالى أجزاء كل طير عن الآخر وجمع أجزاء كل طير وفرقها عن أجزاء الآخر حتى كملت البنية التي كانت عليها أولا ثم أحياها الله تعالى ولم يعدم تلك الأجزاء، فكذا في المكلف.
هذا ما فهمناه من قوله: كما في قصة إبراهيم عليه السلام، فهذا هو كيفية الإعدام.
قال: وإثبات الفناء غير معقول لأنه إن قام بذاته لم يكن ضدا وكذا إن قام بالجوهر.
أقول: لما ذكر المذهب الحق في كيفية الإعدام (1) شرع في إبطال مذهب

(1) اتفق المصنف والمعتزلة على إمكان الإعدام، وقد فسر المصنف الإعدام بتفريق الأجزاء في المكلفين والإعدام المطلق في غيرهم، ولكن المعتزلة فسروا إعدام كل شئ بخلق ضد له وهو الفناء، وهم - بعد الاتفاق على هذا التفسير - اختلفوا إلى مذاهب ثلاثة:
1 - ما ذكره ابن الإخشيد (أبو بكر بن علي من أفاضل المعتزلة، توفي سنة 426): أن الفناء الذي هو ضد للجواهر ليس بمتحيز (جسم) ولا قائم به إلا أنه يكون حاصلا في جهة معينة.
يلاحظ عليه بأنه غير معقول، لأن كل ما يحصل في جهة إما جسم أو قائم به.
2 - ما ذكره ابن شبيب (محمد بن شبيب البصري من أصحاب النظام الذي توفي سنة 236 ومن متكلمي القرن الثالث) من أن الله يحدث في كل جوهر فناء.
3 - ما نقل عن أبي علي وأبي هاشم: أن الفناء يحدث لا في محل فيفني الجواهر كلها حال حدوثه.
ولا يظهر الفرق بين الأول والثالث سوى اشتمال الأول على كون الفناء في جهة معينة.
وحاصل الدليل الأول للمصنف على بطلان هذا الفرض بصوره الثلاث أن الفناء إن كان جوهرا لا يضاد الجواهر إذ التضاد من شؤون الكيف الذي قسم من العرض وقد عرفوه بأنه أمران وجوديان لا يجتمعان في موضوع واحد ويتعاقبان عليه بينهما غاية الخلاف، والجوهر لا موضوع له، وإن كان الفناء عرضا فالعرض لا يضاد الجوهر.
(٢٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 ... » »»