كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد (قسم الإلهيات) (تحقيق السبحاني) - العلامة الحلي - الصفحة ١٤٤
أقول: الرزق عند المجبرة (1) ما أكل، سواء كان حراما أ وحلالا.
وعند المعتزلة أنه ما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد منع المنتفع به، لقوله تعالى: * (وأنفقوا مما رزقناكم) * (2) والله تعالى لا يأمر بالإنفاق من الحرام، قالوا:
ولا يوصف الطعام المباح في الضيافة أنه رزقه ما لم يستهلكه لأن للمبيح منعه قبل استهلاكه بالمضغ والبلع وكذا طعام البهيمة ليس رزقا لها قبل أن تستهلكه لأن للمالك منعها منه إلا إذا وجب رزقها عليه، والغاصب إذا استهلك الطعام المغصوب بالأكل لا يوصف بأنه رزقه لأن الله تعالى منعه من الانتفاع به بعد مضغه وبلعه لأن تصرفاته أجمع محرمة، بخلاف من أبيح له الطعام لأنه بعد المضغ والبلع لا يحسن من أحد تفويته الانتفاع به لأنه معدود فيما تقدم من الأسباب المؤدية إلى الانتفاع به.
وليس الرزق هو الملك (3)، لأن البهيمة مرزوقة وليست مالكة، والله تعالى

(١) عرف المجبرة الرزق بأنه ما أكل، سواء كان حراما أو حلالا، وعرفه المعتزلة بما صح الانتفاع به ولم يكن لأحد منع المنتفع به، وبالقيد الأخير خرج الطعام المغصوب، وما يقدم إلى الضيف من المأكول، وعلف البهيمة، لوجود المنع في الأول وجوازه في الأخيرين، ولأجل ذلك لا يعد الأول رزقا حتى بعد الاستهلاك بخلافه في الأخيرين فلا يعد إلا بعد المضغ والبلع.
يلاحظ على ما ذكروه أن الباحثين لم يفرقوا بين الرزق التكويني والتشريعي، وعلى الأول لا فرق بين الحلال والحرام، وقبل الاستهلاك وعدمه. وعلى الثاني فما ينتفع به الغاصب والفأرة والهرة رزق لها، ويصدق عليها قوله: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها) (هود: ٦).
نعم الرزق التشريعي مخصوص بما ذكره المعتزلة، ثم الرزق أعم من الأكل، فهو يعم الملبوس والمشموم والمسموع وغير ذلك.
(٢) المنافقون: ١٠.
(3) النسبة بين الملك والرزق عموم وخصوص من وجه، والله سبحانه مالك الأشياء وليست الأشياء رزقا له، وما ينتفع به الحيوان رزق له وليس مالكا له وما يملكه الإنسان وينتفع به فهو رزق له.
(١٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 ... » »»