ميراث المال، فمن مثبت للأمرين وناف للأمرين.
ومما يقوي ما قدمناه أن زكريا خاف بني عمه فطلب وارثا لأجل خوفه، ولا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون النبوة والعلم. لأنه عليه السلام كان أعلم بالله تعالى من أن يخاف أن يبعث نبيا من ليس بأهل للنبوة وأن يورث علمه وحكمه من ليس أهلا لها، ولأنه إنما بعث لإذاعة العلم ونشره في الناس فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في بعثته.
فإن قيل: فهذا يرجع عليكم في الخوف من وراثة المال (1) لأن ذلك غاية الضن (2) والبخل.
قلنا: معاذ الله أن يستوي الحال لأن المال قد يصح أن يرزقه الله تعالى المؤمن والكافر، والعدو والولي، ولا يصح ذلك في النبوة وعلومها. وليس من الضن أن يأسى على بني عمه وهم من أهل الفساد أن يظفروا بماله فينفقوه على المعاصي، ويصرفوه في غير وجوهه المحبوبة، بل ذلك هو غاية الحكمة وحسن التدبير في الدين. لأن الدين يحظر تقوية الفساق وإمدادهم بما يعينهم على طرائقهم المذمومة، وما يعد ذلك شحا ولا بخلا إلا من لا تأمل له.
فإن قيل: فالا جاز أن يكون خاف من بني عمه أن يرثوا علمه وهم من أهل الفساد على ما ادعيتم فيستفسدوا به الناس ويموهونه عليهم؟
قلنا: لا يخلو هذا العلم الذي أشرتم إليه من أن يكون هو كتب علمه وصحف حكمته لأن ذلك قد يسمى علما على طريق المجاز، أو أن