وقوله: (إن أمير المؤمنين عليه السلام لا يجوز أن يتوعده مع عفو الإمام عنه) فإنما يكون صحيحا لو كان ذلك العفو مؤثرا وقد بينا أنه غير مؤثر.
وقوله: (يجوز أن يكون عليه السلام ممن يرى قتله أقوى في الاجتهاد، وأقرب إلى التشدد في دين الله) فلا شك أنه كذلك. وهذا بناء منه على أن كل مجتهد مصيب، وقد بينا أن الأمر بخلاف ذلك. وإذا كان اجتهاد أمير المؤمنين عليه السلام يقتضي قتله فهو الذي لا يسوغ خلافه.
وأما تضعيفه أن يكون عثمان ترك بعد القتل ثلاثة أيام لم يدفن ليس بحجة لأن ذلك قد رواه جماعة الرواة وليس يخالف في مثله أحد يعرف الرواية به. وقد ذكر ذلك الواقدي وغيره، وروي أن أهل المدينة منعوا الصلاة عليه حيث حمل حتى حمل بين المغرب والعشاء، ولم يشهد جنازته غير مروان وثلاثة من مواليه ولما أحسوا بذلك رموه بالحجارة، وذكروه بأسوء الذكر، ولم يقع التمكن من دفنه إلا بعد أن أنكر أمير المؤمنين عليه السلام المنع من دفنه وأمر أهله بتولي ذلك منه.
فأما قوله: (إن ذلك إن صح كان طعنا على من لزمه القيام بأمره) فليس الأمر على ما ظنه بل يكون طعنا عليه من حيث لا يجوز أن يمنع أهل المدينة، وفيها وجوه الصحابة من دفنه والصلاة عليه إلا لاعتقاد قبيح، ولأن أكثرهم وجمهورهم يعتقد ذلك. وهذا طعن لا شبهة فيه واستبعاد صاحب الكتاب لذلك، مع ظهور الرواية لا يلتفت إليه، فأما أمير المؤمنين عليه السلام واستبعاد صاحب الكتاب منه ألا يتقدم بدفنه، فقد بينا أنه تقدم بذلك بعد مماكسة ومراوضة (1).