حتى غضب الوليد من استمرار تعرضه، ونهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهي فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه.
وروي أنه لما خرج عبد الله بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج الناس معه يشيعونه، وقالوا: يا أبا عبد الرحمن ارجع، فوالله لا يوصل إليك أبدا فإنا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون، ولا أحب أن أكون أول من فتحه.
وقد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة أنه كان يقول ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب وتعاطي شرح ما روى عنه في هذا الباب يطول، وهو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه وأنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما بها، فسكت القوم، وعرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمار بن ياسر: فأنا أقبلها، فقال: ابن مسعود لا يصلي على عثمان، فقال ذلك لك، فيقال: إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك، فقال له قائل: إن عمارا ولى هذا الأمر، فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني؟ فقال له: إنه عهد إلي ألا اؤذنك، فوقف على قبره وأثني عليه ثم انصرف وهو يقول: رفعتم والله بأيديكم عن خير من بقي فتمثل الزبير بقول الشاعر:
لأعرفنك (1) بعد الموت تندبني * وفي حياتي ما زودتني زادي ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه فأتاه عثمان عائدا، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال ألا أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟