الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٤ - الصفحة ١٢٤
يضعف ما لا يوافقه من غير حجة يعتمدها في تضعيفه، وقوله: (إنه ما استقال على التحقيق وإنما نبه على أنه لا يبالي بخروج الأمر عنه وأنه غير مكره لهم عليه) فبعيد من الصواب لأن ظاهر قوله: " أقيلوني " أمر بالإقالة، وأقل أحواله أن يكون عرضا لها وبذلا وكلا الأمرين قبيح، ولو أراد ما ظنه لكان له في غير هذا القول مندوحة (1) ولكان يقول: إني ما أكرهتكم ولا حملتكم على مبايعتي، وما كنت أبالي ألا يكون هذا الأمر في ولا إلي وإن مفارقته تسرني لولا ما ألزمنيه الدخول فيه من التمسك به، ومتى عدلنا عن ظواهر الكلام بلا دليل جر ذلك علينا ما لا قبل لنا به.
فأما أمير المؤمنين عليه السلام فإنه لم يقل ابن عمر البيعة بعد دخوله فيها، وإنما استعفاه من أن يلزمه البيعة ابتداء فأعفاه قلة فكر فيه، وعلما بأن إمامته عليه السلام لا تثبت بمبايعة من يبايعه عليها، فأين هذا من استقالة بيعة قد تقدمت واستقرت؟
قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى وطعنوا في إمامته بما روي عن عمر بن الخطاب أنه قال: كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. فبين أنها خطأ وأنها شر، وبين أن مثلها يجب فيه المقاتلة، وليس في الذم والتخطئة أوكد من ذلك.
ثم قال: والجواب أنه لا يجوز لقول يحمل ترك ما يعلم ضرورة (2)، ومعلوم من حال عمر إعظام أبي بكر، والقول بإمامته، والرضا ببيعته، وذلك يمنع مما ذكروه لأن المصوب للشئ لا يجوز أن يكون مخطئا له. وحكي عن أبي علي أن الفلتة ليست هي الزلة والخطيئة.

(1) يقال: له عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح أي سعة.
(2) العلم الضروري الذي لا يمكن من علمه أن ينفيه بوجه من الوجوه.
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»