الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ٤٣
انفراد موسى بما يقوم به الأئمة، وإن كان هارون شريكه في النبوة، وليس لك أن تقول: إنني إنما عنيت بكلامي الأول أن هارون يلزمه عند غيبة موسى أن يقوم بأمر قومه على وجه التبليغ والأداء اللذين تقتضيهما النبوة، لأنك لو أردت ذلك لكنت متكلما على غير ما نحن فيه لأنا لم نقل ولا أحد من الناس: إن هارون لو بقي بعد موسى لكان خليفة له في الأداء والتبليغ اللذين هما من مقتضى النبوة فيكون كلامك مبطلا لذلك، وإنما أوجبنا أن يكون خليفته بعد وفاته على قومه فيما يقوم به الأئمة، فلا بد أن يكون مرادك بالكلام الأول ما ذكرناه، ثم نقول: إن الذي ذكرته من جواز انفراد موسى بما يقوم به الأئمة دون هارون، وإنه غير واجب فيما كان شريكه في النبوة أن يكون شريكه في القيام بهذه الأمور في حياته وبعد وفاته، صحيح سديد غير أنه وإن كان غير واجب في الابتداء لما ذكرته فليس يجوز بعد حصوله لهارون أن يخرج عنه ويصرف عن توليه لما ذكرناه من اقتضائه التنفير الذي يمنع النبوة منه.
فأما التعلق بالسبب وإنه كان الغيبة فغير مؤثر لأن أكثر ما يقتضيه السبب تعلق الكلام به، ومطابقته له، وليس بموجب أن لا يتعداه و يتجاوزه، فإذا سلم أن الغيبة كانت السبب في استخلاف هارون لم ينكر ثبوت الخلافة له بعدها لما بيناه، ألا ترى أن موسى عليه السلام لو قال لأخيه مع أن السبب كان الغيبة: اخلفني في قومي في الغيبة والحضور وفي حياتي، وبعد وفاتي وعلى كل حال لم يكن كلامه منافيا للسبب.
فأما ما روي من استخلاف النبي صلى الله عليه وآله ابن أم مكتوم وعثمان ومن جرى مجراهما فإنا لم نعلم زوال ولايتهم وانقطاعها باعتبار زوال السبب على ما ظنه، بل لأمر زائد لأنه لا خلاف بين الأمة في انقطاع ولاية هؤلاء وعدم استمرارها، على إنا لا نتعلق على هذه الطريقة
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»