الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١٩٤
فأما الكلام على الفصل الثاني وهو أن يسلم أن أبا بكر احتج بذلك يوم السقيفة لكنا ننازعه في صحته فواضح، وذلك أن أبا بكر لم يكن معصوما فينتفي الخطأ عنه فمن أين ما رواه صحيح؟ فإن احتج في صحته بالاجماع، وترك النكير وأن أبا بكر استشهد في ذلك بالحاضرين فشهدوا به، فأول ما فيه أن ترك النكير غير معلوم، ولا مسلم لأن سعد بن عبادة وولده وأهل بيته كانوا مقيمين على الخلاف على ما تضمنته الروايات، وأي نكير في الخبر أبلغ من الخلاف في متضمنه؟ ثم لو ارتفع الخلاف والنكير على ما ادعى لم يكن دالا على الرضا والإجماع، لأن ارتفاع النكير على ضربين أحدهما، أن يرتفع على وجه يعلم أنه لولا الرضا لم يكن مرتفعا، والوجه الآخر أن يرتفع ويكون ارتفاعه مجوزا فيه الرضا وغيره، وإنما يدل على صحة الخبر ارتفاع النكير على وجه لا يكون إلا للرضا، ومن تأمل خبر السقيفة، وما جرى فيها وسبب رجوع الأنصار عن الأمر علم أن الكف وترك النكير لم يكونا للرضا.
فأما الاستشهاد بالحاضرين فمما لا يستحسن ادعاءه منصف لأن من روى احتجاج أبي بكر على قلته لم يرو الاستشهاد، على أن أحدا لا يمكنه أن يدعي أنه استشهد جميع الحاضرين من المهاجرين والأنصار فشهدوا له، وإنما يجوز أن يدعي أنه استشهد بعضهم، ومن استشهده فشهد له يجوز عليه من الخطأ ما يجوز عليه، على أنه يمكن أن يكون من سمع هذا الخبر من أبي بكر يوم السقيفة لم ينكره، لأنه لم يعلم بأن الأمر بخلاف ما ادعاه، ورواه، وإنما يجب أن يرد من الأخبار ما لا يجوز أن يكون صحيحا، وليس إذا لم يردوه وينكروه فقد صدقوه وشهدوا به، لأن أخبار الآحاد في الشريعة الواردة بما يجوز أن يكون صحيحا غير مردودة ولا مصدقة، وليس له أن يقول إنهم عملوا به، والعمل في مثل هذا الموضع
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»