الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٣ - الصفحة ١١٦
ومن ظريف الأمور أن يستشهد القوم بهذا الخبر على التفضيل وهم يروون أن أبا بكر قال: (وليتكم ولست بخيركم) فصرح باللفظ الخاص بأنه ليس بالأفضل، ثم يتأولون ذلك على أنه خرج مخرج التخاشع والتخاضع، فألا استعملوا هذا الضرب من التأويل فيما يدعونه من قوله:
(ألا إن خير هذه الأمة) ولكن الانصاف عندهم مفقود.
فأما ما رواه عن جعفر بن محمد عليه السلام من قول أمير المؤمنين علي عليه السلام لأبي سفيان عند استخلاف أبي بكر، وقد قال له: أبسط يدك أبايعك، فوالله لأملأنها على أبي فصيل خيلا ورجلا: (إن هذا من دواهيك، وما زلت تبغي للاسلام العوج في الجاهلية والاسلام) فهو خبر متى صح لم يكن فيه دلالة على أكثر من تهمة أمير المؤمنين لأبي سفيان وقطعه على خبث باطنه، وقلة دينه، وبعده عن النصح فيما يشير به، ولا حجة فيه ولا دلالة على إمامة أبي بكر، ولا تفضيله لأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يعدل عن محارجة (1) القوم والتصريح بادعاء النص والمجاذبة عليه (2) إلا لما اقتضته الحال من حفظ أصل الدين، ولعلمه بأن المخاصمة والمغالبة فيه تؤديان إلى فساد لا يتلافى فلا بد من مخالفته في هذا الباب لكل مشير لا سيما إذا كان متهما منافقا، غير نقي السريرة، فليس في رده عليه السلام على أبي سفيان ما رآه من إظهار البيعة والمحاربة أكثر مما ذكرناه من أن الرأي كان عنده في خلافه، وليس لأحد أن يقول: لولا استحقاق متولي الأمر له لما جاز أن ينهى أمير المؤمنين عن الإجلاب عليه، والمحاربة له، ولا أن يمتنع من مبايعة أبي سفيان له بالإمامة، لأنا قد بينا أن ذلك أجمع لا يدل على استحقاق الأمر، وأن المصلحة إذا اقتضت

(1) مفاعلة من الخروج.
(2) والمحاربة خ ل.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»