الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٧٠
وكان علمهم بأنه صدق يدعوهم إلى الخبر ويقوم مقام السبب الجامع، فكذلك إذا اعتقدوا فيما ليس بهذه الصفة أنه عليها لأن المعتبر فيما يجري هذا المجرى هو بالاعتقاد لا بما عليه الشئ في نفسه، ولهذا يجوز أن يختار الكذب على الصدق في بعض المواضع مع تساويهما في المنافع ودفع المضار متى اعتقد في الكذب أنه صدق ولا فرق فيما شرطناه من ارتفاع اللبس والشبهة بين أن يكون المخبر عنه مشاهدا أو غير مشاهد لأن الشبهة كما يصح دخولها فيما ليس بمشاهد كالديانات وما أشبهها فقد يصح دخولها في المشاهد على بعض الوجوه ولهذا نبطل نقل اليهود والنصارى صلب المسيح عليه السلام، ونقول إن نقلهم لو اتصل بالمخبر عنه مع استيفاء جميع أسلافهم للشروط الحاصلة في هؤلاء الأخلاف من الكثرة وغيرها لأمكن أن يكون خبرهم باطلا من جهة الشبهة ووقوع الالتباس، لأن المصلوب لا بد أن يتغير حليته، وتنكر صورته، فلا يعرفه كثير ممن كان يعرفه، وبعده عن الناظرين معين أيضا على دخول الشبهة.
ولأن اليهود الذين ادعوا قتله لم يكن لهم به معرفة مستحكمة، لأنه لم يكن مخالطا لهم ولا مكاسرا، (1) ومن هذه صورته لا يمتنع أن يشتبه الحال فيه بغيره، وقد قيل إن الله سبحانه ألقى شبه المسيح على غيره، وأن ذلك مما يجوز على عهد الأنبياء، وإن كان غير جائز في أحوال أخر، وكل هذه الوجوه ترجع إلى الشبهة واللبس، فلذلك ذكرناها، وإن كانت كالخارجة عن مقصدنا فلا بد من اشتراط ارتفاع الشبهة في المخبر عنه مشاهدا كان أو غير مشاهد.
وإنما شرطنا في الجماعات المتوسطة بين المخبر عنه مثل ما شرطناه في الجماعة التي تلينا لأنا متى لم نعلم ذلك جوزنا كون الجماعة المخبرة لنا

(1) مكابرا، خ ل، ومكاسرا أوجه، لأن معناها كونه معهم في مكان واحد.
(٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 ... » »»