الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٢٣٠
الصلاة ويؤتون الزكاة إذا كان صفة للمذكور باللفظ الأول فيجب أن يكون المعني بهما واحدا ولم نعتمد في أنه عليه السلام المخصوص بقوله تعالى: (ويؤتون الزكاة) دون غيره على نقل الخبر بل اعتمدنا الخبر في جملة غيره من الوجوه في الدلالة على توجه الآية إليه عليه السلام واعتمدنا في أنه عليه السلام المتفرد بها دون غيره على الوجهين اللذين قدمناهما.
فأما حمله لفظة الركوع على التواضع فغلط بين لأن الركوع لا يفهم منه في اللغة والشرع معا إلا التطأطؤ المخصوص دون التواضع والخضوع وإنما يوصف الخاضع بأنه راكع على سبيل التشبيه والمجاز لما يستعمله من التطامن وترك التطاول.
قال صاحب الكتاب " العين " (1): " كل شئ ينكب لوجهه فيمس

(1) صاحب كتاب " العين " هو الخليل بن أحمد الفراهيدي أعلم الناس بالنحو والغريب في زمانه، وواضع علم العروض، عاش زاهدا قانعا في اخصاص البصرة، وعاش الناس بعلمه لم يطرق أبواب الملوك والأمراء، وكانوا يخطبون وده فيمتنع عليهم، فقد روي: أن سليمان بن قبيصة المهلبي أرسل إليه هدية قيمة - وكان واليا على السند - وطلب إليه أن يسير إليه، فرد الهدية وكتب إليه:
أبلغ سليمان أني عنه في سعة * وفي غنى غير أني لست ذا مال - الرزق عن قدر لا الضعف ينقصه * ولا يزيدك فيه حول محتال - غير أن للخليل صلة وثيقة ورابطة أكيدة بليث بن نصر بن سيار كاتب البرامكة، لا لمنصبه ولا لماله بل لما يجمع بينهما من العلم والمعرفة، فقد كان الليث بارع الأدب، بصيرا بالنحو والشعر والغريب فارتحل إليه الخليل فوجده بحرا، وأحسن وفادته، وأكرمه غاية الاكرام، فألف له كتاب العين المذكور فوقع منه موقعا عظيما، ووصله بمأتي ألف درهم واعتذر إليه من التقصير، وأقبل الليث على كتاب العين ينظر فيه ليلا ونهارا إلى أن حفظ نصفه، وكانت تحته ابنة عم له جميلة ونبيلة تحبه حبا جما، فبلغها عنه أنه اشترى جارية فائقة الجمال، وأبعدها في منزل صديق له فوجدت عليه وقالت: والله لأغيضنه، وقالت: إني أراه مشغوفا بهذا الكتاب، وقد هجر كل لهو ولذة، وأقبل على النظر فيه، فلأفجعنه به، ثم عمدت إلى الكتاب فأحرقته، فلما عاد افتقد الكتاب فظن أنه سرق، فجمع غلمانه وتهددهم وأوعدهم، فأخبره أحدهم أنه رأى زوجته أخذته، فأقبل إليها، وقال: ردي الكتاب، والجارية لك، وقد حرمتها على نفسي، فأخذت بيده وأدخلته الحجرة التي أحرقته فيها، فلما رآه رمادا أسقط في يده، وصار كأنه فجع بمال عظيم، أو ولد حبيب، فكتب منه النصف الأول من حفظه حيث لم يكن للكتاب - نسخة غير نسخته - وكان الخليل قد توفي - وكلف جماعة من العلماء في زمانه فقال لهم: مثلوا عليه، فمثلوا عليه فلم يلحقوه، ولذا قيل: إن النصف الأول أتقن وأحكم من النصف الأخير، وكانت نسخة من هذا الكتاب في مكتبة المرحوم الشيخ محمد الشيخ طاهر السماوي - فيما أخبرني أحد العلماء - ولا يدرى بمصيرها الآن، حيث أن هذه المكتبة تبعثرت بعد وفاته ووقعت في يد من لا يعرف لها قدرا، وتوجد نسخة من كتاب العين في مكتبة الآثار العراقية (مكتبة المتحف الآن) تحت رقم 509 / 373 لغة في 2500 ورقة كما عن مجلة لغة العرب للأستاذ الكرملي، توفي الخليل سنة 170 ه‍.
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»