الشافي في الامامة - الشريف المرتضى - ج ٢ - الصفحة ٢٢٦
غيره يقتضي المجاز فغلط، لأن لفظة يفعلون وما أشبهها من الألفاظ التي تدخل عليها الزوائد الأربع الموجبة للمضارعة وهي الهمزة والتاء والنون الياء (1) ليست مجردة للاستقبال، بل هي مشتركة بين الحال والاستقبال، وإنما تخلص للاستقبال بدخول السين أو سوف، وقد نص على ما ذكرناه النحويون في كتبهم، فمن حملها على الحال دون الاستقبال لم يتعد الحقيقة، ولا تجاوز باللفظة ما وضعت له، وعلى هذا تأولنا الآية لأنا جعلنا لفظة (يؤتون الزكاة) عبارة عما وقع في الحال من أمير المؤمنين عليه السلام، وليس يمتنع أن نذكر في الجواب عن السؤال وجها آخر وإن كنا لا نحتاج مع ما ذكرنا إلى غيره لأنه الظاهر من مذهب أهل العربية، وهو أن يقال: إن نزول الآية وخطاب الله تعالى بها يجوز أن يكونا قبل الفعل الواقع في تلك الحال فتجري اللفظة على جهة الاستقبال وهو الحقيقة، بل الظاهر من مذاهب المتكلمين في القرآن أن الله تعالى:
أحدثه في السماء قبل نبوة النبي صلى الله عليه وآله بمدد طوال وعلى هذا المذهب لم يجر لفظ الاستقبال في الآية إلا على وجهه، لأن الفعل المخصوص عند أحداث القرآن في الابتداء لم يكن إلا مستقبلا، وإنما يحتاج إذا كان القول في القرآن على ما حكيناه إلى أن تتأول ألفاظه الواردة بلفظة الماضي مما يعلم أنه وقع مستقبلا، وإلا فما ذكر بلفظ الاستقبال لا حاجة بنا إلى تأوله لوقوعه على وجهه فأما لفظة (الذين) فإنها وإن كانت موضوعة في الأصل للجمع دون الواحد فغير ممتنع أن تكون بالعرف وكثرة الاستعمال قد دخلت في أن تستعمل في الواحد المعظم أيضا على سبيل الحقيقة، يدل على ذلك أن قوله تعالى: (إنا أرسلنا نوحا إلى قومه) وما أشبهه من الألفاظ لا يصح أن يقال أنه مجاز وكذلك قول أحد الملوك نحن

(1) ويجمعها لفظة " أنيت ".
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»