يجوز له القسمة مهما أراد ولو قبل الانضاض فهو ملك طلق له وإن لم يجز له بالفعل الاستقلال بالتصرف فيه كغيره من الأموال المشتركة وكونه وقاية لرأس المال غير مناف لطلقية بعد كون القسمة بالفعل جائزة له فهو بعد تسليم هذه المقدمات وإن صدق عليه أنه مال ملكه بالتجارة ولكنه لا يصدق عليه أنه مال ملك بعقد المعاوضة بقصد الاسترباح بل هو بنفسه ربح التجارة المتعلقة بمال الغير وقد ملكه العامل بعقد المضاربة لا بعقد المعاوضة مثل ما ملكه الأجير بعقد الإجارة وإن شئت قلت إن الربح من حيث هو ليس مندرجا في موضوع أدلة زكاة التجارة إذ لا يصدق على حصة العامل أنه مال اتجر به أو عمل به أو غير ذلك من العناوين الواردة في الاخبار التي قد عرفتها في أول الباب وأما حصة المالك فهي أيضا وإن كانت كذلك لو لوحظت بنفسها ولكنك قد عرفت فيما سبق إن الأشبه عدم ملحوظية النماء مستقلا وتبعيته للأصل في الحول وفي تعلق الزكاة به وإلا فهو بنفسه غير مندرج في عناوين أدلتها وإنما يندرج فيها بالنظر إلى كونه جزء من الجملة التي دير رأس المال إليها ففيما نحن فيه أيضا كذلك يتعلق الزكاة بالجملة التي دار إليها رأس مال المالك وقضية ذلك إن تضم حصة المالك إلى رأس ماله وتخرج منه الزكاة لان رأس ماله نصاب كما هو المفروض فيزكي الجميع مع بلوغ الربح ولو بضميمة ما في رأس المال من العفو النصاب الثاني وإن لم يحل الحول على الربح بنفسه على ما حققناه فيما نحن فيه وأما حصة الساعي فلا يصح أن يتعلق بها الزكاة بهذه الملاحظة لان شرط تعلق الزكاة بذلك المال في تقلباته التي حال عليها الحول بقائه على ملك مالكه فلو خرج بعض ما دار إليه قبل حول الحول عليه عن ملك مالك الأصل فقد صار رأس مال المالك عند حول الحول مقصورا على ما أجتمع له من حصة من الربح منضمة إلى الأصل وأما ما ملكه الغير في أثناء الحول من أصل هذا المال أو من ربحه لم يجب زكاته على مالك الأصل لخروجه عن ملكه قبل حول الحول عليه و لا على ذلك الغير إلا أن يجتمع فيه بنفسه حال كونه مملوكا له شرائط تعلق الزكاة به ولا يكفي في ذلك مجرد كونه منفعة حاصلة له بالتجارة في مال الغير كما لا يخفى على المتأمل وقد ظهر بما أشرنا إليه من استقلال حصة العامل بالملاحظة وعدم صحة جعلها تابعة لرأس المال في تعلق الزكاة بها إنا لو سلمنا ثبوت الزكاة فيها فلا بد من فرض اعتبارها من حيث هي جامعة للشرائط فلا يستحب في حصة الساعي الزكاة إلا أن يحول عليها الحول وتكون هي بنفسها نصابا كما هو واضح ثم لا يخفى عليك أن القول بثبوت الزكاة في حصة العامل مبني على القول بصحة عقد المضاربة وشرعيتها وإن العامل يملك الحصة من حين ظهور الربح وأما على القول بأنها معاملة فاسدة لجهالة العوض وإنما هي مجرد وعد لا يجب الوفاء به فلا يستحق العامل شيئا من هذا المال ولا من ربحه بل أجرة مثل عمله على المالك كما حكى القول به عن بعض فزكاتها على رب المال كما صرح به الشيخ وغيره وأما إن قلنا بصحتها ولكن لا يملك العامل الحصة إلا بعد الانضاض أو القسمة فحال الحول قبله فالمتجه أيضا عدم تعلق الزكاة بها لا على العامل لانتفاء الملكية فضلا عن غيرها من الشرائط ولا على رب المال لعدم الطلقية كما هو واضح وكيف كان فالأشبه بناء على صحة عقد المضاربة كما هو الأصح عدم ثبوت الزكاة في غيرها من الشرائط ولا على رب المال سواء قلنا بأن العامل يملكها من حين ظهور الربح أو بعد الانضاض أو القسمة وعلى تقدير القول بالثبوت هل يجوز للعامل أن يخرج الزكاة قبل أن ينض المال ويتحول عينا ويقسم مع المالك أو يفسخ قيل لا يجوز لأنه وقاية لرأس المال وهذا القول منقول عن جملة من القدماء والمتأخرين وقيل نعم لان استحقاق الفقراء له أخرجه عن كونه وقاية وقد أدعى المصنف (ره) إن هذا هو أشبه بالقواعد وهو لا يخلو من نظر لان خروجه عن كونه وقاية مناف لما يقتضيه المضاربة فإن مقتضاها كون ملكية العامل للحصة مراعاة بعدم ورود خسارة على رأس المال قبل إتمام العمل وهذا معنى كونه وقاية لرأس المال فكيف يصح أن يملك الفقير في ملكه أزيد مما يملكه نفسه مع أن ملكية الفقير للزكاة متفرعة عن ملكيته فأدلة الزكاة على تقدير تسليم شمولها له لا تقتضي إلا استحقاق الفقير جزء مما يملكه العامل على النهج الذي يملكه فإذا كان ملك العامل بمقتضى أصل جعله ملكية متزلزلة لا يؤثر تعلق حق الفقير به انقلابه عما هو عليه فيكون حق الفقير أيضا مراعى بسلامة رأس المال عن أن يطرء عليه نقصان قبل الانضاض كما لا يخفى على المتأمل. المسألة الخامسة: الدين لا يمنع من زكاة مال التجارة ولو لم يكن للمالك وفاء إلا منه بلا خلاف فيه على الظاهر ولا إشكال بل عن التذكرة وظاهر الخلاف الاجماع عليه وكذا القول في زكاة المال غير التجارة لأنها تتعلق بالعين ولكن العين التي هي متعلق الزكاة في التجارة إنما هي بلحاظ ماليتها كما عرفت وكيف كان فلا منافاة بينه و بين اشتغال ذمة المالك بأضعاف أضعافه من الدين من غير فرق في ذلك بين كون حق الفقير المتعلق بالمال وجوبيا كزكاة المال أو استحبابيا كزكاة التجارة إذ لا معارضة بينهما قال العلامة في محكي المنتهى الدين لا يمنع الزكاة سواء كان للمالك مال سوى النصاب أو لم يكن وسواء أستوعب الدين النصاب أو لم يستوعبه وسواء كان أموال الزكاة ظاهرة كالنعم والحرث أو باطنة كالذهب والفضة وعليه علماؤنا أجمع إنتهى نعم بناء على تعلق زكاة التجارة أو مطلقها بذمة المالك وكونها كسائر الديون الواجبة عليه قد يتحقق المزاحمة في صورة قصور المال عن الوفاء بالجميع لدى موت المالك أو بعجزه عن التصرف في ماله وتقسيمه على الغرماء فيكون مستحق الزكاة حينئذ كأحدهم في الخاصة كما أن المتجه على هذا التقدير سقوط زكاة التجارة المستحبة لعدم صلاحيتها لمزاحمة الحقوق الواجبة المتعلقة بالمال ولكن المبنى فاسد كما عرفته في محله ويدل أيضا على عدم مانعية الدين عن الزكاة مطلقا مضافا إلى ما عرفت إطلاق النصوص المتقدمة الدالة على إن زكاة القرض على المستقرض ويدل عليه أيضا في خصوص زكاة المال ما عن الكليني في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر وعن ضريس عن أبي عبد الله عليهما السلام إنهما قالا أيما رجل كان له مال موضوع حتى يحول عليه الحول فإنه يزكيه وإن كان عليه من الدين مثله وأكثر منه فليزك ما في يده ولكن الأولى بل الأفضل لمن قصر ماله عن وفاء ديونه ترك زكاة التجارة وصرف جميع ما يملك مما زاد عن نفقته في تفريغ ذمته عن الحقوق الواجبة عليه كما أومى إليه الشهيد فيما حكي عن بيانه حيث قال والدين لا يمنع من زكاة التجارة كما مر في العينية وإن لم يمكن الوفاء من
(٨٣)