صنف واحد أو صنفان وإن أحدهما أسوء حالا من الاخر ثمرة مهمة في هذا الباب وإنما المهم بيان الحد المسوغ لتناول الزكاة في هذين الصنفين وهو عدم الغنى وهذا على إجماله مما لا خلاف فيه كما عن غير واحد التصريح به قال العلامة في التذكرة قد وقع الاجماع على أن الغنى لا يأخذ شيئا من الزكاة من نصيب الفقراء للآية ولقوله (ع) لا تحل الصدقة الغني ولكن اختلفوا في الغني المانع من الاخذ فللشيخ قولان أحدهما حصول الكفاية حولا له ولعياله وبه قال الشافعي ومالك وهو الوجه عندي إلى أن قال والقول الثاني للشيخ أن الضابط من يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فاضلا عن مسكنه وخادمه وبه قال أبو حنيفة إنتهى وحكى عن المفاتيح أنه اختار قولا ثالثا حاكيا له عن الشيخ في المبسوط وهو أن الفقير من لم يقدر على كفايته وكفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام و المعتمد هو القول الأول وهو أن الفقير من يقصر ماله عن مؤنة سنة له ولعياله كما هو المشهور بين المتأخرين أو مطلقا على ما ادعاه بعض بل ربما نسب إلى عامة أصحابنا والمراد بماله أعم من المال المملوك له بالفعل أو بالقوة فصاحب الحرفة والصنعة اللائقة بحاله الوافية بمؤنته غنى لم يجز له تناول الزكاة كما أن المراد بالمال الوافي بمؤنته هو المال الذي من شأنه الصرف في نفقته لا مثل أثاث بيته أو رأس مال تجارته المحتاج إليه في تكسبه أو البستان والضيعة التي يتعيش بنمائها كما ستعرف أما جواز تناول الزكاة لمن لا يملك فعلا أو قوة مؤنة سنة فيدل عليه صحيحة أبي بصير قال سمعت الصادق عليه السلام يقول يأخذ الزكاة صاحب السبعمائة إذا لم يجد غيره قلت فإن صاحب السبعمائة تجب عليه الزكاة قال زكاته صدقة على عياله ولا يأخذها إلا أن يكون إذا أعتمد على السبعمائة أنفدها في أقل من سنة فهذا يأخذها ولا تحل الزكاة لمن كان محترفا وعنده ما تجب فيه الزكاة أن يأخذ الزكاة وصحيحة علي بن إسماعيل الدغشي المروية عن العلل قال سألت أبا الحسن عليه السلام عن السائل وعنده قوت يوم أيحل له أن يسئل وإن أعطي شيئا من قبل أن يسئل يحل له أن يقبله قال يأخذ وعنده قوت شهر ما يكفيه لسنته من الزكاة لأنها إنما هي من سنة إلى سنة هكذا رواها في الوسائل عن العلل ولكن في نسخة العلل المطبوعة الموجودة عندنا نحوه إلا أن فيها قال يأخذه وعنده قوت شهر وما يكفيه لستة أشهر من الزكاة وفي البحار رواها نقلا عن العلل نحوه وكيف كان فظاهرها إن العلة في جواز إخذ مقدار كفاية السنة أنه لو منع من ذلك لقى محتاجا في بعض السنة ومقتضاه جواز الاخذ لمن تقصر ماله عن مؤنة السنة مطلقا ولو بمقدار شهر فما دون ويدل عليه أيضا فحوى ما سيجئ من الروايات الدالة على جواز الاخذ لمن له رأس مال لا يحصل منه ما يفي بمؤنته ومفهوم رواية يونس بن عمار قال سمعت الصادق عليه السلام يقول تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة والمناقشة فيه بعدم الاعتداد بمفهوم الوصف مدفوعة بوروده بظاهره في مقام التحديد المناسب لإرادة الانتفاء عند الانتفاء كما لا يخفى والمنساق من لفظ القوت في مثل هذه الموارد إرادة مطلق المؤنة لا خصوص القوت ولعل في بعض الأخبار الآتية إشارة إليه مع أنه لم ينقل القول بالتفصيل بين القوت وغيره عن أحد وإما عدم جواز تناولها لمن ملك مؤنة سنة وإن لم يملك أزيد من ذلك فيدل عليه منطوق رواية يونس المتقدمة ومفهوم التعليل الوراد في صحيحة علي بن إسماعيل المتقدمة مضافا إلى إن من كان بالفعل مالكا لمقدار من المال الصالح للصرف في نفقته واف بمؤنة سنة له ولعياله لا يعد في العرف فقيرا بل لولا دلالة النصوص والفتاوي على اندراج من يقصر ماله عن مؤنة سنته لا شكل الجزم بذلك بالنسبة إلى من كان بالفعل مالكا لمقدار معتد به من المال واف بمؤنة ستة أشهر وسبعة مثلا وإن كان لمؤنة السنة من حيث هو نوع اعتبار وملحوظية لدى العرف بحيث يرون الشخص محتاجا إلى تحصيلها كما يرونه محتاجا إلى مؤنة يومه وليله أو مؤنة سفره الذي يتلبس به من حين تلبسه به خصوصا بالنسبة إلى الأقوات التي من شأنها الادخار من سنة إلى سنة ولكن يشكل الاعتماد على مثل هذه الملاحظات والاعتبارات على وجه يورث الجزم بجواز صرف المال الذي جعله الله للفقراء والمساكين إلى من كان بالفعل مالكا لمقدار ومعتد به من المال واف بمؤنته عدة أشهر فإنه من أخفى مصاديق الفقير الذي لا يبعد دعوى انصراف إطلاق اسمه عنه لولا دلالة النصوص والفتاوى على عمومه ودعوى أن من لم يكن له حرفة أو ممر معيشة واف بمؤنته عادة على سبيل الاستمرار لا يعد في العرف غنيا وإن كان بالفعل مالكا لما يفي بمؤنة سنة أو سنتين بل يرونه محتاجا إلى تحصيل مال كذلك وعنده قصور يد عنه يرونه فقيرا مدفوعة بعدم كون الاحتياج إلى تحصيل مثل هذا المال مصححا لاطلاق اسم الفقير عليه على الاطلاق بل هو بالفعل غني لدى العرف حال كونه واجدا لمؤنة سنته فالقول بأن الفقير من لم يقدر على كفايته وكفاية من يلزمه من عياله عادة على الدوام كما هو المحكى عن الشيخ في مبسوطه وصريح المحكي عن المفاتيح ضعيف وأما القول بأن الفقير من لم يملك نصابا من الأثمان أو قيمته فقد استدل له بالنبوي أنه صلى الله عليه وآله قال لمعاذ حين بعثه إلى اليمن إنك مأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا صلى الله عليه وآله رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم إذ ليس لخصوصية النصاب ولا لجامعية شرائط الزكاة كحول الحول عليه إن كان مما يعتبر فيه الحول مدخلية في تسميته بالفعل غنيا فيكشف ذلك عن إن من كان مالكا لهذا المقدار من المال فاضلا عن مسكنه وخادمه الذي يحتاج إليه في تعيشه مثلا من أي جنس يكون هو غني وإن لم يجب عليه الزكاة بالفعل لاختلال شئ من شرائطها أو عدم كون المال زكويا أو كون المالك صغيرا واستدل له أيضا بالتنافي بين وجوب دفع الزكاة عليه وجواز خذها له وفيه منع التنافي بين لامرين وأما الخبر المزبور فهو جار مجرى الغالب وإلا فقد عرفت في محله أن الدين لا يمنع من وجوب الزكاة فقد يكون مالك النصاب مشغول الذمة بثمنه أو أضعاف أضعافه من الدين مع كونه بالفعل محتاجا إلى نفقة أكثر من قيمة النصاب كما إذا ملك زرعا أو ثمرة نخل بالغة حد النصاب قبل بدو صلاحها بثمن في ذمته مع كونه بالفعل محتاجا إلى مسكن ولباس و طعام لا يفي بحاجته الفعلية أضعاف قيمة ذلك النصاب وهذا مما لا شبهة في فقره وعدم كونه من أغنيائهم لا عرفا ولا شرعا مع أن الرواية عامية فلا تعويل عليها وعلى تقدير تسليم سندها وتمامية دلالتها فلا يتفاوت الحال بين كون النصاب من الأثمان أو غيرها مع أن القائل بالقول المزبور
(٨٦)