التجارة تتعلق بقيمة المتاع لا بعينه على المشهور كما في الجواهر بل عن المفاتيح نسبته إلى أصحابنا فإن أرادوا بذلك الاحتراز عن تعلقها بالعين على سبيل الشركة كما هو مقتضى ما ذكروه تفريعا له من جواز تصرف المالك في العين بغير إذن الفقير وغير ذلك من الأمور المنافية لتعلقها بالعين على جهة الشركة فقد عرفت في محله أن الأظهر في الأعيان الزكوية أيضا عدم تعلقها بالعين على هذا الوجه وإن أرادوا تعلقها بمفهوم كلي متصادق على النقد المتساوي لمقدار مالية المتاع متعلق بذمة المكلف كما هو مقتضى كلمات بعضهم ففيه إن هذا خلاف المنساق من أدلتها فإن ظاهر قوله كل ما عملت به إذا حال عليه الحول ففيه الزكاة وكذا غيره من الروايات الدالة عليه إنما هو تعلق الزكاة بنفس الأعيان الخارجية المستعملة في التجارة ولكن لا من حيث ذواتها بل من حيث اندراجها في موضوع المال المستعمل في التجارة الذي أنيط به هذا الحكم فإن أريد من الحكم بتعلق الزكاة بقيمة المتاع لا عينه بيان أن الملحوظ في هذه الزكاة هي جهة مالية المتاع لا خصوص شخصه فلا حظ ربع العشر الذي يجب إخراجه في الزكاة بالمقايسة إليها لا إلى شخصه فهو حق صريح لا مجال لاحد إنكاره ولكنه لا يجدي في تفريع بعض الفروع التي جعلوها ثمرة لتعلقها بالقيمة ولا يهمنا التعرض للفروع بعد أن حققنا عدم الفرق بين زكاة التجارة وغيرها من حيث ظهور أدلتها تعلقها بالعين الذي مقتضاه سقوط التكليف عن المالك بتلف العين بعد الحول بلا تعد منه أو تفريط كما في سائر الأجناس الزكوية عدى إن تعلق هذه الزكاة بالعين باعتبار اندراجها في موضوع المال فالملحوظ فيها جهة ماليتها بخلاف ساير الأجناس فالمكلف به في هذه الزكاة هو إخراج الفريضة المقررة فيها التي هي ربع عشر هذا المال تقريبا بملاحظة ماليته وفي ما عداها بملاحظة نفس الأجناس الزكوية من حيث كونها مندرجة في مسميات أساميها فللفقير في مال التجارة ربع العشر قيمته بخلاف ساير الأجناس التي لا مدخلية لقيمها في تعلق الزكاة بها والله العالم ويقوم المتاع لمعرفة مقدار ماليته التي بملاحظتها أعتبر فيه النصاب ومقدار ما يتعلق به من الزكاة بالدراهم والدنانير لأنهما هما الأصل المحض في المالية الذي بالمقايسة إليه يعرف مقدار مالية الأشياء في باب الغرامات وغيرها من موارد الحاجة إلى التقويم وهذا أي التقويم بكل منهما مع تساوي نصابيهما في مقدار المالية بأن يكون كل دينار مساويا لعشر دراهم كما لعله كان كذلك في صدر الاسلام مما لا إشكال ولا كلام فيه إذ لا يختلف الحال حينئذ بين تقويمه بالدراهم أو الدنانير وأما مع الاختلاف فيشكل الامر حيث أنه قد يبلغ بأحدهما النصاب حينئذ دون الاخر فهل المدار حينئذ على التقويم بأدناهما أو أعلاهما أو خصوص الدراهم سواء كانت أدنى أو أعلى أو التفصيل بين ما كان رأس ماله نقدا فبالنقد الذي اشترى به وبين غيره فبالأدنى أو الاعلى وجوه ذهب غير واحد إلى الأول كالمصنف (ره) في المقام حيث قال تفريع إذا كانت السلعة تبلغ النصاب بأحد النقدين دون الاخر تعلقت بها الزكاة لحصول ما يسمى نصابا و فهي إنه ليس لنا في هذا الباب دليل لفظي واف بإثبات هذا العموم فمقتضى الأصل براءة الذمة عن التكليف بالزكاة فيما عدى المتيقن وهو ما إذا لم ينقص المال قيمته عن مأتي درهم ولا عن عشرين دينارا إلا أن يقال إن المرجع في مثل المقام هو عموم ما دل على زكاة مال التجارة المقتصر في الخارج منه على المتيقن وهو الناقص عنهما وفيه أن العمومات الواردة في هذا الباب بظاهرها مسوقة لبيان أصل المشروعية فليس لها إطلاق أحوالي بالنسبة إلى مصاديقها ولذا لم يقع التعرض فيها لشرطية النصاب وغيره فليتأمل وأما التقويم بخصوص الدراهم فيدل عليه قوله (ع) في موثقة إسحاق بن عمار المتقدمة في صدر المبحث وكل ما خلا الدراهم من ذهب أو متاع فهو عرض مردود ذلك إلى الدراهم في الزكاة والديات ولكن قد يشكل الاعتماد على هذا الحديث بعد أن لم يكن معمولا بظاهره في خصوص مورده ولو بعد ارتكاب التأويل فيه بجمله على إرادة زكاة التجارة إذ لم ينقل عن أحد القول باعتبار التقويم بخصوص الدراهم ولكن الذي يهون الخطب أن نصاب الدراهم بمقتضى العادة هو الأدنى فيكون القول باعتباره بالخصوص موافقا في مقام العمل عادة مع ما قواه في المتن من العبرة بالأدنى كما لعله هو المشهور خصوصا إذا لم يكن رأس ماله من النقدين وأما إذا كان رأس ماله من النقدين فالمشهور بين المتأخرين الاعتبار بما اشترى به فيقوم به لا بغيره وإذا اشترى بكليهما أعتبر التقويم بهما بالنسبة كما صرح به غير واحد نظرا إلى أن هذا هو المنساق مما دل على وجوب الزكاة في المال الذي يدار في التجارة إذ لا يتبادر منه إلا إرادة زكاة ذلك المال المحفوظ ماليته في تقلباته وهو لا يخلو من قوة وإن كان الأول أي الاكتفاء ببلوغ النصاب من أحدهما مطلقا وإن كان رأس ماله نقدا مخالفا له فضلا عما لو كان عروضا أحوط خصوصا إذا كان النقد البالغ نصابه هو النقد الغالب الذي قد يقال بتعين الرجوع إليه مطلقا فميا إذا كان رأس المال عروضا وهو لا يخلو من وجه والله العالم ثم إن ما ذكرناه من التقويم بالنقد الأدنى أو النقد الغالب أو النقد الذي اشترى به إذا كان رأس ماله نقدا إنما هو بالنظر إلى معرفة مقدار ماليته لتشخيص بلوغه حد النصاب وتمييز مقدار ما يجب الاخراج منه وأما معرفة بقاء رأس ماله فالمتعين تقويمه بالنقد الذي اشترى به إن كان نقدا سواء كان من النقد الغالب أم لا وإلا امتنع معرفة بقاء رأس ماله وإن كان عروضا فقد يقال بأن المدار على تقويمه بعين ذلك العرض بأن يكون مقدار مالية هذا المتاع بالفعل مساويا لمقدار مالية ذلك العرض أو يزيد عليه بنظر العرف وإن لم يعرف مقدار ماليتها بالمقايسة إلى الدراهم والدنانير تفصيل فلو كان قيمة ذلك العرض وقت المعاوضة مأة دينار مثلا فزادت قيمته فصارت ألفا فرأس ماله هو ذلك العرض الذي قيمته السوقية بالفعل ألف دينار كما لو كان ثمنه عين الدينار فزادت قيمة الدينار فصارت قيمة كل دينار ضعف ما كانت قيمته حال الشراء ويحتمل قويا أن يكون المدار على قيمته حال الشراء لا بالفعل نظرا إلى أنه إذا اشترى متاعا للتجارة يكون قيمته مأة درهم بعرض يسوي في ذلك الوقت مأة درهم ثم ترقت قيمة ذلك المتاع خمسمأة شهد العرف بكون تجارته رابحة وحصول النماء في ماله بالتكسب من غير التفات إلى قيمة ذلك العرض وإن تضاعفت وصارت بحيث لولا هذه المعاملة وكان العرض بنفسه باقيا في ملكه لكان ربحه أكثر إذ لا عبرة بذلك في مسألة الربح والخسران في باب التجارات بل المدار في ذلك بقيمة ذلك العرض في وقت المعاملة فيلا حظ ذلك الشئ بحكم ما لو باعه بالنقد ثم اشترى بقيمته هذا
(٧٩)