القاعدة في مثل المقام الاقتصار في رفع اليد عن العموم على القدر المعلوم أرادته من المخصص وهو ما يبلغ مجموعه خمسة أوسق وأما ما بلغ مجموعه بعد استثناء المؤنة ذلك الحد فلم يعلم أرادته من المخصص فالمرجع فيه إصالة العموم لا الأصول العملية لأنا نقول أن المقام ليس من قبيل التخصيص بالمجمل للتردد بين الأقل و الأكثر فإن ما دل على استثناء المؤنة بنفسه مخصص لتلك العمومات سواء كان هناك دليل آخر يدل على اعتبار النصاب فيما يجب فيه الزكاة أم لم يكن فإنه يدل على أنه ليس فيما سقته السماء مما قابل المؤنة العشر وإنما مورد هذا الحكم بعد وضع المؤنة وقد علم بدليل اعتبار النصاب إنه لا يجب عشر ما زاد على المؤنة على الاطلاق بل بشرط بلوغ النصاب ولكنه لم يعلم من دليل الاشتراط أنه هل أعتبر هذا الشرط أي بلوغ النصاب في نفس ما يجب فيه العشر أي ما بقي بعد المؤنة أو بانضمامه إلى ما قابل المؤنة أي مجموع ما أنبتت الأرض إذ المفروض كون لفظ الدليل محتملا للامرين من غير مرجح لأحدهما على الاخر فلا بد في مورد الاجمال من الرجوع إلى الأصول العملية لا العموم الذي عمل إجمالا بعدم إرادة ظاهره منه فالفرق بين ما نحن فيه و بين العام المخصص بالمجمل المردد بين الأقل و الأكثر هو إن العام له ظهور في إرادة كل فرد فرد فلا يرفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى المشكوك لرجوع الشك فيه لدى التحليل إلى الثلث في أصل التخصيص بالنسبة إلى هذا الفرد واما فيما نحن فيه فقد علم في مورد الشك أيضا بعدم كون العام باقيا على ظاهر من الاطلاق أي عدم كون الوجوب المتعلق به وجوبا مطلقا بل مشروطا بشرط غير معلوم التحقق فلا مسرح للرجوع إلى أصالة العموم أو الاطلاق بعد العلم بعدم كون العموم أو الاطلاق مرادا بالنسبة إلى فاقد هذا الشرط الذي لم يعلم بتحققه بل الأصول العملية وهي براءة الذمة عن التكليف من غير فرق في ذلك بين كون الشك ناشئا عن أجمال مفهوم الشرط أو أشباه مصاديقه أو غير ذلك من أسباب الأشباه كما لا يخفى على المتأمل وربما يؤيد أيضا اعتبار النصاب فليتأمل واستدل للقول الدال على استثناء أجرة الحارس والعذق والعذقين له كترك المعافارة وأم جعرور قبل الخرص وعدم ملاحظتها في النصاب فليتأمل واستدل القول الثاني بظهور الأدلة في سببية بلوغ ما أنبتت الأرض خمسة أوسق في وجوب العشر بالنسبة إلى كل جزء من أجزاء النصاب وقد علم بما دل على استثناء المؤنة عدم وجوبه في جميع أجزاء النصاب فيرفع اليد عن هذا الظاهر بالنسبة إلى ما يقابل المؤنة ويعمل فيما بقي على حسب ما يقتضيه سببية النصاب للوجوب وفيه ما عرفت من معارضة هذا الظاهر بظهور قوله (ع) ففيه العشر في إرادة عشر مجموع الخمسة أوسق لا في الجملة أي خصوص ما يبقى بعد المؤنة فلاحظ واستدل للقول بالتفصيل بين المؤن السابقة على الوجوب والمتأخرة عنه بإطلاق الحكم بوجوب العشر فيما بلغ خمسة أوسق حيث إن ظاهر قوله عليه السلام ففيه العشر إرادة عشر جميع الخمسة أوسق فإن مقتضاه الحكم بسببية بلوغ النصاب لوجوب إخراج عشره مطلقا وحيث علم إنه لا يجب الزكاة فيما قابل المؤنة اقتضى إبقاء ذلك الحكم على ظاهره تقييد بلوغ النصاب بكونه بعد إخراج مثل البذر وأجرة الحرث وغيرهما من المؤمن السابقة على الوجوب وأما المؤن اللاحقة كالحصار ونحوه فليس إخراجه من الوسط منافيا لاعتبار النصاب قبله بل هو من مقتضيات قاعدة الشركة التي اقتضاها إطلاق قوله ما بلغ خمسة أوسق ففيه العشر كما لا يخفى على المتأمل وفيه ما عرفت فيما سبق من ضعف القول بالشركة الحقيقة وعدم الالتزام بشئ من لوازمها فلا يصح الالتزام بأن الحق الثابت للفقير في هذا المال عند تعلق الوجوب هو ثلاثون صاعا ولكنه صرف في حفظه وإصلاحه كذا فلا يجب إلا دفع ما بقي منه بعد مؤنته إلى الفقير فالحق ما هو المشهور من عدم الفرق بين المؤن السابقة و اللاحقة في اعتبار النصاب بعدها كما ربما يؤيده بل بشهد له أخبار الخرص بالتقريب الذي تقدمت الإشارة إليه ثم إن المراد بالمؤنة هو معناها العرفي وهو ما يغرمه المالك في نفقة هذه الثمرة من مثل البذر وأجرة الأرض والحرث وشبهها قال في المسالك والمراد بالمؤنة ما يغرمه المالك على الغلة مما يتكرر كل سنة عادة وإن كان قبل عامه كأجرة الفلاحة والحرث والسقي وأجرة الأرض وإن كانت غصبا ولم ينو إعطائه مالكها أجرتها ومؤنة الأجير وما نقص بسببه من الآلات والعوامل حتى ثياب المالك ونحوها ولو كان النقص مشتركا بينها وبين غيرها وزع عين البذر وان كان ماله المزكى ولو اشتراه تخير بين استثناء ثمنه وعينه وكذا مؤنة العامل المثلية وأما القيمية فقيمتها يوم التلف ولو عمل معه متبرع لم يتحسب أجرته إذ لا تعد المنة مؤنة عرفا ولو زرع مع الزكوي غيره قسط ذلك عليها ولو زاد في الحرث عن المعتاد لزرع غير الزكوي لم يحتسب الزائد ولو كانا مقصودين ابتداء وزع عليهما ما يقصد لهما وأختص أحدهما بما يقصد له ولو كان المقصود بالذات غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحتسب من المؤن ولو اشترى الزرع أحتسب ثمنه وما يغرمه بعد ذلك دون ما سبق على ملكه وحصة السلطان من المؤن اللاحقة لبدو الصلاح فاعتبار النصاب قبلها انتهى فكأنه أراد بهذا الكلام التنبيه على مصاديقها العرفية فالأولى إيكالها إلى العرف فإن ما ذكره بعضه لا يخلو من تأمل فما يعد عرفا من مصارف هذه الزراعة بحيث لو سئل عن مقدار ما صرفه في تحصيلها لأجاب بكذا وكذا فهو مؤنتها وما في صدر العبارة من تقييد موضوع المؤنة بما يتكرر في كل سنة لعله للاحتراز عن مثل حفر الابار وكري الأنهار ونحوها مما يعد عرفا من أسباب عمارة الأرض وهي كثمن الأرض التي يشتريها لا يعد عرفا من مؤنة أشخاص الزراعات الحاصلة فيها وإن كان لدى التحليل لم يقصد بأصل شراء الأرض أو أجراء النهر إلا الانتفاع بالزرع الحاصل كما لا يخفى على من راجع العرف ما في كلمات بعض من بسط مثل هذه المؤن على السنين المتكررة بمقدار قابليتها للبقاء لا يخلو من مناقشة نعم لو دعاه إلى حفر بئر أو قناة خصوص زراعة لعدت عرفا من مؤنتها كما أنه لو اشترى أرضا لذلك لكان ذلك أيضا كذلك فليتأمل ولكن هذا بالنسبة إلى زراعة هذه السنة التي بملاحظتها حفر هذه البئر أو كري هذا النهر دون ساير السنين الآتية التي يكون حال البئر والقناة بالمقايسة إليها حال الأرض التي ملكها في السنين السابقة بشراء ونحوه في عدم كون ما صرفه في تحصيلها معدودا من مؤنتها وكيف كان فقد عرفت أنه لم يرد في شئ من النصوص والواصلة الينا التصريح باستثناء المؤنة عدا ما وقع في عبارة الفقه الرضوي من التعبير بلفظ المؤنة من غير أضافتها إلى الزرع والغلة كما هو المدعي بل إلى القرية وإنما التزمنا باستثنائها بدعوى استكشافه من الشهرة المعتضدة بالاجماعات المحكية وعدم القول بالفصل بين بعض المؤن التي دلت الأدلة على استثنائه كأجر الحارس
(٦٨)