والعذق والعذقين له فإن بيننا على إن ما استكشفناه بهذا الدليل هو كون لفظ المؤنة الواقعة في كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية بمنزلة كونها واردة في نص معتبر في وجوب الرجوع إلى العرف في تشخيص مفهومها كما ليس بالعبيد فنقول إن هذه الكلمة وكذا لفظ النفقة وشبهها من الألفاظ التي يؤدي مؤديها لا تخلو من إجمال والقدر المتيقن من ذلك ما ينفقه على نفس هذه الزراعة من مثل البذر وأجرة الحرث وإجارة الأرض في تلك المدة وتسطيح الأرض و تنقية النهر مما لا يبقى له بإزائه مال بعد استيفاء الحاصل وأما مثل ثمن الأرض أو العوامل التي يشتريها للزراعة أو الآلات التي يستعملها فيها مما يبقى عينها في ملكه بعد استيفاء الحاصل فهي خارجة عن ذل كبل لا يعد شئ من مثل ذلك نفقة الزراعة بل الزراعة تعد عرفا من فوائد تكل الأشياء التي تملكها التحصيل الزرع والحاصل إن نفقة الشئ ما يصرف فيه لا ما ينفق في تحصيل الأشياء التي يتوقف الزرع على تحصيلها نعم لاحتساب ما يرد على الآلات والأدوات أو ثياب العامل أو الأرض التي حصل فيها الزرع من النقص من المؤن وجه ولكن لا وجه انصراف إطلاق المؤنة عنها ولا أقل من خروج مثلها عن القدر المتيقن الذي يمكن الالتزام باستثنائه ففي مواضع الشك يجب الاخذ بعمومات أدلة الزكاة نعم بناء على ما صرح به غير واحد من موافقة القول باستثناء المؤنة للأصل وإنه ليس في الأدلة السمعية ما يدل بإطلاقه أو عمومه على ثبوت الزكاة فيما يقابل المؤنة اتجه الرجوع في موارد الشك إلى أصالة البراءة ولكن المبني ضعيف كما عرفت وأما اللواحق فمسائل الأولى كلما سقى سيحا أو بعلا أو عذبا فيه العشر وما سقي بالدوالي والنواضح فيه نصف العشر بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه مضافا إلى ذلك أخبار مستفيضة إن لم تكن متواترة منها صحيحة زرارة وبكير عن أبي جعفر عليه السلام قال في الزكاة ما كان يعالج بالرشاء و الدلاء والنضح ففيه نصف العشر وإن كان يسقى من غير علاج بنهر أو عين أو بعل أو سماء ففيه العشر كاملا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي قد تقدم بعضها في طي المباحث السابقة وسيأتي أيضا بعض آخر ولا حاجة إلى استقصائها بعد وضوح الحكم وكونه مورد اتفاق النص والفتوى والمدار في وجوب العشر ونصف العشر على ما يظهر من النصوص والفتاوى كما صرح به في الجواهر على احتياج ترقية الماء إلى الأرض إلى آلة من دولاب ونحوه وعدمه فلا عبرة بغير ذلك من الاعمال كحفر الأنهار والسواقي وإن كثرت مؤنتها والتعبير بالترقية للجري مجرى الغالب وإلا فربما يكون الماء في مكان عال ولكن يحتاج إيصاله إلى الزرع إلى نقله من ذلك المكان بآلة من دلو وشبهه ولذا جعل بعض المعيار في ذلك احتياج أصل إيصال الماء إلى الزرع إلى العلاج واستغنائه عنه بل عن المناهل إن ظاهرهم الاتفاق على هذا الضابط وإن اختلفت عباراتهم بل عن المنتهى بعد جعل المعيار افتقار السقي إلى المؤنة وعدمه إن عليه فقهاء الاسلام ولكنك خبير بقصور هذه العبائر جميعها عن إفادة المراد إذ المراد بها على الظاهر هو بيان إناطة العشر بجري الماء ووصوله إلى الزرع على حسب ما يقتضيه طبع الماء عند تخلية سبيله بعد جعله معد للجري على تلك المزرعة ولو بسد سبيله المتعارف الموجب لترقيته واستعلائه عليها وأعداد المحل لوصول الماء إليه وإصلاح مجراه وإزالة موانعه وسد ثغوره وغير ذلك من الشرائط المعتبرة في تحقق الايصال وحصول السقي مما يتوقف في العادة على المؤنة والعلاج ويمتنع حصول السقي بدونه وإناطة نصف العشر بعدم كون وصوله إليه بمقتضى طبعه بل بنقله إليه بآلة من دولاب وشبهه فمرادهم بافتقار السقي أو الايصال إلى المؤمنة ما كان من القسم الأخير وإن صدق على الأول أيضا إنه مفتقر إلى المؤنة لامتناع حصوله بدونها وكيف كان فلا مشاحة في التعبير بعد وضوح المراد ولكن قد يشكل الامر في بعض الموارد من إنه هل هو ملحق بالقسم الأول أو الثاني كما لو حصر ماء البئر بوضع شئ ثقيل عليه وأنبوبة في وسطه بحيث أثر الثقل في فوران ماء البئر من الأنبوبة وجريه على الأرض فهل هو يعد من السقي بالسيح أو يلحق بالنواضح والدوالي أم يفصل بين ما لو كان أحداث هذا العلاج موجبا لجري مائها على وجه الأرض دائما من غير حاجة إلى أعمال عمل آخر حال السقي وبين ما إذا لم يكن ذلك بأن كان خروج الماء منها لدى السقي محتاجا إلى استعمال معالجات أخر كتحريك الأنبوبة أو النفخ فيها وشبهه فيلحق الأول بالأول والثاني بالثاني وجوه ولعل الأخير أوجهها وعلى تقدير الشك فالمرجع إصالة براءة الذمة عما زاد عن نصف العشر والله العالم وإن اجتمع الأمران في مورده كان الحكم للأكبر بلا نقل خلاف فيه بل عن الغنية وظاهر التذكرة وغيرها دعوى الاجماع عليه وإن تساويا أخذ من نصفه العشر ومن نصفه نصف العشر بلا نقل خلاف فيه أيضا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه ويدل عليه وعلى سابقه مضافا إلى الاجماع حسنة معاوية بن شريح عن أبي عبد الله عليه السلام قال فيما سقت السماء والأنهار أو كان بعلا العشر وأما ما سقت السواني السانية هي الناضحة وهى الناقة التي يسقى عليها والدوالي فنصف العشر فقلت له فالأرض تكون عندنا تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى سيحا فقال إن ذا ليكون عندكم كذلك قلت نعم قال النصف والنصف نصف بنصف العشر ونصف بالعشر فقلت الأرض تسقى بالدوالي ثم يزيد الماء فتسقى السقية والسقيتين سيحا قال وكم تسقى السقية والسقيتين سيحا قلت في ثلاثين ليلة أربعين ليلة وقد مكث قبل ذلك في الأرض ستة أشهر سبعة أشهر قال نصف العشر وهل الاعتبار في الأكثرية بالأكثرية عددا أو زمانا أو نموا أو نفعا وجوه بل أقوال واستدل للأول بأنه هو المنساق إلى الذهن من النص والفتوى ولا ينافيه في الرواية من أنه (ع) استفصل عن زمان تحقق السقية والسقيتين لا عن عدد السقيات بالدوالي لامكان جريه مجرى العادة من كون أكثرية الزمان علامة أكثرية العدد فاستفصاله في الحقيقة يؤل إلى الاستفصال عن عدد السقيات بالدوالي ويحتمل أن يكون المقصود بالاستفصال استكشاف حال السقية والسقيتين من حيث الكيفية ووفور الماء إذ رب سقية كاملة تحصل بالسيح تقوم مقام عدة سقيات بالدوالي وهذا يستكشف من طول مدة السقية والسقيتين وقصره فيكون المدار على هذا أيضا على أكثرية العدد ولكن أعم من الحقيقية والحكمية لا الزمان من حيث هو ولعل القائل باعتبار الأكثرية نموا أو نفعا أراد هذا المعنى وهو لا يخلو من قوة إذ لا اعتداد بعدد السقيات من حيث هو ولا بطول مدتها من حيث هو في ما ينسبق إلى الذهن من إطلاق قول القائل ما سقي بالسيح ففيه كذا وما سقي بالدوالي ففيه كذا بل المنساق منه إرادة السقي الذي يتقوم به تعيش الزرع وحياته وإلا فرب سقي لا فائدة فيه للزرع بل قد يكون مضرا كما أنه قد لا يحتاج الزرع في أوقات برودة الهواء إلى السقي مدة شهر أو شهرين فالعبرة بالسقي المفيد للزرع في أوقات حاجته إليه في تعيشه وحياته فقد يحصل في أوان شدة حاجة الزرع إلى الماء زيادة الماء زيادة مفرطة يبقى أثرها إلى أن يستغني الزرع عن الماء ويبلغ أو ان حصاده بحيث لولا هذه الزيادة لكان في كل يوم أو يومين أو ثلاثة محتاجا إلى السقي
(٦٩)