من الناس تعبد شرعي فصوم من اكل وشرب ناسيا صوم حكمي لا حقيقي هذا مع أن تقييد مفطرية المفطرات بالعلم بمفطريتها الراجع إلى اشتراط وجوب الامساك عنها بالعلم بوجوبه غير معقول نعم قد يعقل ذلك بالنسبة إلى بعضها الغير المقوم لحصول مسمى الصوم عرفا ببعض التقريبات التي تقدمت الإشارة إليها في كتاب الصلاة في توجيه صحة صلاة من أخل بالجهر والاخفات في مواضعهما ولكن الالتزام به موقوف على مساعدة دليل عليه كما سنشير إليه والحاصل ان ظواهر الأدلة على وجوب الامساك عن الأشياء المذكورة كون الامساك عنها من حيث هو معتبرا في ماهية الصوم الشرعي وانه يبطل بارتكاب شئ منها ولا يصح تقييد ذلك بالعلم به الا ان يدل دليل شرعي عليه فيتكلف في توجيهه واستدل له أيضا باطلاقات الأوامر الواردة بالقضاء والكفارة عند تناول شئ من المفطرات مع ورود بعضها في جاهل الموضوع الذي هو أولى بالمعذورية من جاهل الحكم بل ظهور كثير من الأسؤلة التي وقع في جوابها الامر بالقضاء أو الكفارة في كون موردها الجاهل كما لا يخفى على المتتبع واستدل للقول بالصحة وانه ليس عليه قضاء ولا كفارة بالأصل الخالي عن المعارض لانحصاره بعمومات القضاء والكفارة المخصوصين بغير الجاهل اما بحكم التبادر أو لأجل تقييد أكثرها بمتعمد الافطار الغير الصادق هنا وإن كان متعمدا للفعل لأن تعمد الافطار لا يكون الا مع العلم بكونه مفطرا وبه تقيد المطلقات أيضا لوجوب حملها على المقيد مع أنه على فرض التعارض يجب التخصيص بغير الجاهل الموثقة زرارة وأبى بصير قالا سئلنا أبا جعفر عليه السلام عن رجل اتى أهله في شهر رمضان أو اتى أهله وهو محرم وهو لا يرى الا ان ذلك حلال له قال ليس عليه شئ المعتضدة بروايات معذورية الجاهل كصحيحة عبد الصمد الواردة فيمن لبس قميصا حال الاحرام وفيها واي رجل ارتكب امرا بجهالة فلا شئ عليه وفي صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة لحكم تزويج المرأة في عدتها وفيها قلت فبأي الجهالتين اعذر جهالته بأن ذلك محرم عليه أم جهالته انها في العدة فقال احدى الجهالتين أهون من الأخرى الجهالة بأن الله حرم عليه وذلك أنه لا يقدر على الاحتياط معها فقلت فهو في الأخرى معذور فقال نعم ويتوجه على الاستدلال بالأصل ما عرفت واما ما قيل من انصراف أدلة القضاء والكفارة بمتعمد الافطار أو وجوب صرفها إليه جمعا بين الأدلة ففيه انه لا مقتضى للانصراف ولا للصرف بالنسبة إلى أدلة القضاء أصلا وورود بعض اخبارها أو بعض الأسؤلة الواقعة فيها في متعمد الافطار لا يقتضى صرف ما عداه إليه إذ لا تنافى بينهما كما هو واضح هذا مع أنه لا مجال للارتياب في أن مناط وجوب القضاء على ما يستفاد من النصوص والفتاوى عدم الخروج عن عهدة التكليف بأدائه فمن أخل بصوم شهر رمضان الذي هو عبارة عن الامساك عن الأشياء المعدودة مع النية سواء لم يمسك عن شئ منها أو امسك عن بعض دون بعض أو عن الجميع ولكن لا مع النية وجب عليه قضائه جزما وتقييد اعتبار تلك الأشياء في ماهية الصوم بصورة العلم بكونها كذلك قد عرفت ما فيه ومن هنا يظهر عدم صحة الاستشهاد للمدعى بالروايات الدالة على معذورية الجاهل كالصحيحتين المزبورتين إذ غاية ما يمكن دعوى استفادته من مثل هذه الأخبار بعد التسليم انما هو معذوريته في ارتكاب ما صدر منه جهلا من مخالفة الأحكام الواقعية المتوجهة إليه حتى بالنسبة إلى اثارها الوضعية القابلة لأن يعذر فيها أي الآثار الشرعية المجعولة لها القابلة لأن يتخلف عنها وليس فساد الصوم بتناول المفطرات جهلا منها بل هو من لوازمها العقلية الغير القابلة للتخلف لاستحالة حصول امتثال الامر بالكف عن المفطرات بمخالفته وكون الجاهل معذورا في مخالفته لا لجعل المخالفة موافقة حتى يوصف فعله بالصحة فكما انه لو جهل بأصل صوم شهر رمضان فلم يصمه لا يفهم من هذه الأخبار انه بمنزلة من صامه في كونه اتيا بما يوافق امره فكذلك لو جهل ببعض اجزائه وشرائطه المعتبرة فيها ولذا لم يحكم الإمام عليه السلام في الصحيحة الأخيرة بصحة العقد الفاقد لشرائط الصحة الصادر منه جهلا بل بفساده وكونه معذورا في أن يتزوجها ثانيا بعد انقضاء عدتها فمثل هذه الرواية على خلاف المطلوب أدل والحاصل انه لا يستفاد من هذه الأخبار أزيد من أن الجاهل لا يؤاخذ على ما صدر منه جهلا ولا يترتب على فعله اثر العمد وهذا لا يجدى في اثبات المدعى بعد ان أشرنا إلى أن فساد الصوم ليس من اثار تعمد الافطار بل هو على طبق الأصل كفساد تزويج المرأة في عدتها واما الموثقة فموردها الجاهل المعتقد للخلاف وهو في مثل هذه المسألة التي هي من الضروريات لا يكون غالبا لا عن القصور وعدم تصور الحرمة حتى يتنجزه في حقه التكليف بالفحص والسؤال فان تم الاستدلال بها فإنما يتم في القاصر فلا يصح الاستشهاد بها للقول بالصحة مطلقا واستدل للقول بعدم القضاء والكفارة على القاصر ووجوبهما على المقصر أما الثاني فلاطلاق أدلتهما واما الأول فللموثقة المزبورة التي قد أشرنا إلى اختصاص موردها بالقاصر وقاعدة كلما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر الوارد بعض أدلتها في نفى القضاء عن المغمى عليه فبهذه الملاحظة يندفع توهم اختصاصها بالمعذورية من جهة التكليف دون القضاء فهذه الرواية كالرواية المزبورة حاكمة على اطلاق أدلة القضاء والكفارة لأن الجهل مع القصور مما غلب الله عليه ويتوجه على الاستدلال بالقاعدة أولا النقض بما لو جهل بأصل التكليف بصوم شهر رمضان أو شئ من الفرائض اليومية أو بموضوعه بأن غفل عن كونه شهر رمضان أو نسي الفريضة في وقتها فتركه لذلك مع أنه لا خلاف نصا وفتوى في أنه يجب عليه تداركها بعد ان حصل له العلم والالتفات هذا مع أن شمولها القاعدة للمريض وغيره من أولي الأعذار أوضح من شمولها للجاهل وحله ان التكليف بالقضاء إنما يتنجز على المكلف بعد ان حصل له الالتفات والعلم بترك الفعل جامعا لشرائط الصحة في وقته وإن كان ذلك الترك موافقا لتكليفه الفعلي الثابت له في ذلك الوقت كما في المريض و نحوه فضلا عما لو كان تكليفه الفعلي الثابت في حقه في الواقع هو الفعل ولكن لم يحصل موافقته لأجل الجهل به أو بموضوعه أو نسيان شئ منهما فليس ثبوت القضاء حينئذ منافيا لتلك القاعدة وليس مفاد تلك القاعدة ان الترك الغير المستند إلى اختياره ليس موجبا للقضاء أو ان ترك شئ من الشرائط أو اجزاء المركب الذي تعلق التكليف به ليس موجبا لفساد ذلك المركب إذ لا مدخلية للقاعدة بالاحكام الوضعية الغير المنوطة بالاختيار فضلا عن مثل الصحة والفساد الذي هو عقلي محض كما تقدمت الإشارة إليه انفا وأما الخبر النافي للقضاء عن المغمى عليه المعلل بما غلب الله على عباده فهو أولى بالعذر فهو ما رواه الصدوق
(١٩٠)