القول عن العماني والسيد في أحد قوليه والحلي ثم إن القائلين بالحرمة اختلفوا على أقوال منهم من ذهب إلى أنه حكم تكليفي محض لا يترتب عليه فساد الصوم كما عن الشيخ في الاستبصار والمصنف في المعتبرة والعلامة في المختلف والمنتهى والمحقق الثاني في حاشية الارشاد والفخر والشهيد الثاني وسبطه بل نسب إلى أكثر المتأخرين و قواه أيضا في المتن حيث إنه بعد ان نقل القول بالحرمة والكراهة قال والأول أشبه ثم قال وهل يفسد بفعله الأشبه لا وعن جملة من الأصحاب منهم السيد في الانتصار والشيخ في النهاية والجمل والاقتصار وابن البراج انه موجب للقضاء والكفارة بل عن ظاهر الدروس نسبته هذا القول إلى المشهور بل عن الغنية دعوى الاجماع عليه وحكى عن أبي الصلاح انه أوجب القضاء خاصة حجة القائلين بالحرمة اخبار مستفيضة منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال الصائم يستنقع في الماء ولا يرمس رأسه وصحيحة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يرمس الصائم ولا المحرم رأسه في الماء وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال الصائم يستنقع في الماء ويصب على رأسه ويتبرد بالثوب وينضح البور يا تحته ولا يغمس رأسه في الماء وخبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا يرتمس المحرم في الماء ولا الصائم ومرسلة مثنى الحناط والحسن الصيقل قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يرتمس في الماء قال لا ولا المحرم قال و سئلته عن الصائم أيلبس الثوب المبول قال لا وخبر حنان بن سدير انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الصائم يستنقع في الماء قال لا بأس ولكن لا ينغمس فيه والمرأة لا تستنقع في الماء لأنها تحمل الماء بقبلها والمتبادر من مثل هذه النواهي المتعلقة بكيفيات العبادة إرادة الحكم الوضعي لا محض التكليف كما تقدم التنبيه عليه في نظائر المقام واظهر منها دلالة على ذلك صحيحة أخرى لمحمد بن مسلم قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول لا يضر الصائم ما صنع إذا اجتنب ثلث خصال أو اربع خصال كما عن الفقيه وموضع من التذهيب الطعام والشراب والنساء والارتماس في الماء فان ظاهرها إرادة الاضرار به من حيث كونه صائما أي الاضرار بصومه كما فيما عداه من المذكورات فما عن الشهيد في شرح الارشاد من الجواب عن هذه الصحيحة بأنه يكفي في الاضرار فعل المحرم مدفوع بمخالفته للظاهر واظهر من هذه الرواية أيضا فيما ذكر قوله عليه السلام في المرفوعة المتقدمة في المسألة السابقة خمسة أشياء تفطر الصائم الأكل والشرب والجماع والارتماس في الماء الحديث بل هذه الرواية كادت تكون صريحة في المدعى وهكذا عبارة الفقه الرضوي المتقدمة في تلك المسألة أيضا ويمكن الجواب اما عن المرفوعة كالرضوي فبضعف السند واما عما عداهما من الاخبار المزبورة فبأنها وان كانت ظاهرة فيما ذكر ولكن يتعين صرفها عن هذا الظاهر جمعا بينها وبين موثقة إسحاق بن عمار قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل صائم ارتمس في الماء متعمدا أعليه قضاء ذلك اليوم قال ليس عليه قضاء ولا يعودن فإنها نص في عدم كون الارتماس مفسدا مع كونه منهيا عنه فيتجه حينئذ ما قواه في المتن وغيره من الحرمة دون الافساد ولكن يتوجه عليه ان رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة بهذه القرينة بجعله تنزيهيا أولى من رفع اليد عن ظهور الاخبار في إرادة الحكم الوضعي أي كونه مضرا بالصوم لا كونه من حيث هو حراما تعبديا محضا بل الصحيحة الأخيرة كادت أن تكون صريحة في أن مطلوبية تركه لكون فعله مضرا بالصوم ولكن قضية لا جمع بينها وبين الموثقة المصرحة بنفي القضاء حملها على كونه كلبس المبلول الذي تعلق النهى به أيضا في رواية الحسن المتقدمة واستنقاع المرأة في الماء الذي جمع بين النهى عنه والنهى عن الغماس الرجل فيه في خبر حسان موجبا لنقص الصوم لا فساده كما ربما يؤيد هذا الجمع أي حمل النهى على الكراهة بل يشهد له خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال يكره للصائم ان يرتمس في الماء وما يقال من أن الكراهة في كلمات الأئمة كثيرا ما تستعمل بمعنى التحريم ففيه ان هذا إلا ينفى ظهورها في الكراهة المصطلحة كظهور لفظ لا يصلح ولا ينبغي وأشباهها من الألفاظ التي هي في الأصل موضوعة للأعم ولكنه لا ينسبق إلى الذهن من اطلاقها الا الأخص خصوصا في مثل المقام الذي لو حمل على إرادة الحرمة لتعين صرفها إلى إرادة محض التكليف الذي هو بعيد عن مساق هذا النحو من لا اخبار كما تقدمت الإشارة إليه إذ لو أريد به الحكم الوضعي لكان بمنزلة ما لو قال يكره للصائم ان يأكل ويشرب وهو كما تراه مستهجن عرفا وكيف كان فالجمع بين الاخبار بحملها على الكراهة أولى من حملها على الحرمة تعبدا مع اباء بعضها عن ذلك كالمرفوعة والرضوي المتقدمين واستلزامه التقييد بالواجب المعين فان من المستبعد إرادة الحرمة تعبدا في صوم يجوز للمكلف ابطاله فلا ينسبق إلى الذهن ارادته من النص على تقدير كونه حراما تعبديا وتنظيره على التكتف في صلاة النافلة قياس مع الفارق إذا التكتف في الصلاة تشريع وهو مقتضى لحرمته على الاطلاق وهذا بخلاف الارتماس الذي هو في حد ذاته فعل سائغ فيبعد حرمته على الصائم تبعدا من غير أن يكون له ربط بصومه ولذا رجح في الحدائق القول بالابطال بأنه لا يعقل أن يكون للنهي علة سوى ذلك وإن كان يتوجه على هذا التعليل ان لا إحاطة للعقول بمناطات الأحكام الشرعية التعبدية كي يدعى فيه عدم المعقولية نعم هو بعيد عن الذهن فينصرف عنه النص وإن كان قد يرفع هذا الاستبعاد أيضا ما عن المصنف في المعتبر من توجيه بامكان أن يكون حكمة التحريم تبعدا الاحتياط في الصوم حيث لا يامن مع الارتماس من أن لا يصل الماء إلى جوفه من المنافذ وما في الحدائق من تضعيف هذا التوجيه بأنه انما يصلح وجها للكراهة لا للتحريم مدفوع بأن هذه الحكمة كما انها مناسبة للكراهة كذلك مناسبة للتحريم كما في سلوك طريق لا يامن معه السلامة ولكن هذا انما يرفع الاستبعاد عنه بالنسبة إلى الصوم الواجب لا المندوب الذي لا يحرم عليه افساده كما لا يخفى وكيف كان فالقول بحرمته تعبدا لا يخلو عن بعد وأما القول بكراهته فهو غير بعيد بالنظر إلى ما يقتضيه الجمع بين خبري عبد الله بن سنان و إسحاق بن عمار وبين غيرهما من الاخبار المزبورة ولكن لا اعتماد على هذين الخبرين في صرف سائر النصوص عن ظواهرها بعد شذوذ القول بالكراهة لا يخلو عن اشكال وإن كان طرحهما أيضا ما لم يتحقق اعراض الأصحاب عنهما أشكل اللهم إلا أن يقال إن ارتكاب التأويل في رواية الخصال التي وقع فيها التصريح بمفطرية الارتماس في غاية البعد فهي بحسب الظاهر معارضته لهذين الخبرين وضعف سندها مجبور بالشهرة كما أن بها واعتضادها بظواهر غيرها من الاخبار تترجح على ما يعارضها فيتقوى حينئذ القول بالافساد ولكن المقدمتين لا تخلو ان عن تأمل فالانصاف ان الالتزام بوجوب
(١٧٩)