العارف بأساليب كلامهم وطرق بيانهم للاحكام الصادرة عن علة وما فيها من الانكار على هؤلاء الاقشاب مبالغة في التقية مع امكان أن يكون قوله عليه السلام في ذيل الرواية يقضى يوما مكانه هو جواب السائل ويكون ما صدر منه من حكاية فعل رسول الله نقلا لقول هؤلاء الاقشاب مستندا لفتواهم بعدم وجوب القضاء فكأنه عليه السلام قال على سبيل الانكار والتعريض قد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرتكب هذا العمل المكروه الموجب للاخلال بالوتر الواجب عليه حاشاه عن ذلك ولا أقول كما يقول هؤلاء الاقشاب من صحة صومه استنادا إلى هذه الحكاية بل يقضى يوما مكانه واما عن مكاتبة سليمان فكالصحيحة الأولى بالحمل على التأخير لا عن عمدا والتقية وعن صحيحة القماط بالحمل على التقية وفي الذخيرة أجاب عنها أيضا باستضعاف السند لما ذكره من أن أبا سعيد في كتب الرجال لا موثق ولا ممدوح ولكن في الحدائق نسبه إلى السهو وذكر ان أبا سعيد القماط هو خالد بن سعيد ثقة وحديثه صحيح والأولى في الجواب عنه بالحمل على النوم بنية الغسل وليس في الرواية ما ينفيه والتعليل لا يأبى عن ذلك وعمدة الجواب عن جميع هذه الأخبار هو ان مخالفتها للمشهور أو الجمع عليه بين أصحابنا وموافقتها للجمهور أخرجها عن صلاحية المكافئة للأخبار المتقدمة وفي الذخيرة بعد ان أورد اخبار الطرفين وأجاب عن كل من الاخبار المزبورة التي استدلوا بها للجواز بما يقرب مما ذكرناه قال ما لفظه وتحقيق المقام ان التعارض بين الاخبار ثابت ويمكن الجمع بينهما بوجهين أحدهما حمل اخبار المنع على الأفضلية وثانيهما حمل اخبار الترخيص على التقية والأول وإن كان وجها قريبا بل ليس فيه عدول عن الظاهر في أكثر الاخبار التي أوردت في جانب المنع لكن لا يبعد أن يقال إن الترجيح للثاني لما في رواية إسماعيل من الاشعار الواضح عليه وكذا في رواية حماد بن عثمان المنقولة عن المقنع حيث اسند الحكم بالقضاء المتكرر المستفيض في الاخبار إلى الاقشاب ان كان قوله يقضى يوما مقولا لقول هؤلاء وذلك مضاف إلى ترجيح الشهرة بين الأصحاب ومخالفة جمهور العامة وبعد حمل الكفارة على الاستحباب انتهى وفيه ان حمل اخبار المنع على الأفضلية وان أمكن على بعد فيما ورد الامر بالكفارة كما أشار إليه في ذيل عبارته ولكن هذا لا يكفي في رفع التنافي بين الروايات فان جملة من اخبار الجواز مما وقع فيها الاستشهاد بفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كالنص في أنه ليس البقاء على الجنابة موجبا لهذه المرتبة من المنقصة التي لا يكاد يتدارك نقصه بالقضاء والكفارة كما هو صريح جملة من اخبار المنع فالحق ان اخبار الجواز مع هذا النوع من الاخبار من قبيل المتعارضين لا يساعد العرف على الجمع بينهما بما ذكر بل يرونهما من المتناقضين الذين يجب الرجوع فيهما إلى المرجحات وهى مع اخبار المنع كما هو واضح فالقول بالبطلان كما هو المشهور أقوى بل الأقوى وجوب الكفارة أيضا كما يدل عليه جملة من الاخبار المزبورة واقتصار كثير منها على القضاء لا ينافي وجوبها بالنصوص المزبورة وإن كان قد يستشعر منها من باب السكوت في مقام البيان خصوصا من الصحيح الذي ورد فيه الامر بالاستغفار عدم وجوبها الا ان هذا لا يصلح معارضا للنصوص المستفيضة التي وقع فيها التصريح بها وضعف سند مما غير قادح بعد استفاضتها واعتضادها بالشهرة مع ما فيها من الموثق الذي شهد المصنف في العبارة المتقدمة المحكية عنه باخذ العلماء به عدى شاذ منهم فما في المدارك من أن هذه الروايات كلها ضعيفة السند فيشكل التعويل عليها في اثبات حكم مخالف للأصل ومن هنا يظهر رجحان ما ذهب إليه ابن أبي عقيل (ره) والمرتضى من أن الواجب بذلك القضاء دون الكفارة انتهى ضعيف ثم إنه نسب إلى ظاهر المشهور عدم الفرق في الفساد بالبقاء على الجنابة عمدا بين صوم شهر رمضان وغيره من أنواع الصيام ولكن حكى عن المعتبر أنه قال لقائل ان يخص هذا الحكم برمضان دون غيره من الصيام أقول وجهه ورود النصوص الدالة عليه على كثرتها فيه ولا قياس يقتضى التعدية عنه هكذا قيل في توجيهه وهو لا يخلو من نظر إذا المتبادر من الصوم في سائر الموارد التي تعلق به امر ندبي أو وجوبي ليس الا إرادة الماهية المعهودة التي أوجبها الشارع في شهر رمضان فورود النص في خصوص شهر رمضان لا يوجب قصر الحكم عليه بعد ان المتبادر من الامر به في سائر الموارد ليس الا العبادة المخصوصة التي أوجبها الشارع في شهر رمضان فالتعدي عن مورد النص في مثل هذه الموارد من هذا الباب الا من باب القياس ولكن قد يشكل ذلك في المقام بدلالة بعض النصوص على عدم كون البقاء على الجنابة عمدا منافيا لصوم غير شهر رمضان في الجملة حيث ستكشف من مثل هذه الأخبار ان البقاء على الجنابة ليس كسائر المفطرات مأخوذا في مهية الصوم شرعا من حيث هي فيشرح التخطي عن مورد النص منها ما عن الصدوق في الصحيح عن جيب الخثعمي قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني عن التطوع وعن هذه الثلاثة الأيام إذ أجنبت من أول الليل فاعلم انى لو جنبت فأنام متعمدا حتى ينفجر الصبح أصوم أم لا أصوم قال صم وموثقة ابن بكير قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يجنب ثم ينام حتى يصبح يصوم ذلك اليوم تطوعا فقال أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النهار وموثقته الأخرى أيضا عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن رجل طلعت عليه الشمس وهو جنب ثم أراد الصيام بعد ما اغتسل ومضى من النهار وما مضى قال يصوم ان شاء وهو بالخيار إلى نصف النهار وكيف كان فهذه الروايات صريحة في عدم كون البقاء على الجنابة مانعا عن الصوم تطوعا بل قضية ترك الاستفصال في الموثقة الأخيرة وكذا مفهوم قوله عليه السلام في الموثقة الأولى أليس هو بالخيار الخ الذي هو بمنزلة التعليل للجواز جوازه في الواجب الغير المعين أيضا ولكن يجب تخصيصه بما عدى قضاء شهر رمضان لوقوع التصريح بالمنع عنه فيما عن الصدوق والشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان انه سئل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقضى شهر رمضان فيجنب من أول الليل ولا يغتسل حتى يجئ اخر الليل وهو يرى أن الفجر قد طلع قال لا يصوم ذلك اليوم ويصوم غيره وعن الكليني أيضا في الصحيح عن ابن سنان يعنى عبد الله انه كتب إلى أبي عبد الله عليه السلام وكان يقضى شهر رمضان وقال إني قد أصبحت بالغسل وأصابتني جنابة فلم اغتسل حتى طلع الفجر فاجابه عليه السلام لا تصم هذا اليوم وصم غدا وفي موثقة سماعة المتقدمة قال فقلت إذا كان ذلك من الرجل وهو يقضى شهر رمضان قال فليأكل يومه ذلك وليقض فإنه لا يشبه رمضان شئ من الشهور والمراد بقوله عليه السلام لا يشبه رمضان شئ من الشهور على الظاهر أن القضاء ليس حاله حال صوم شهر رمضان في وجوب الامساك
(١٨٣)