بخلاف فيه إلى زمان بعض متأخري المتأخرين انتهى ولكن هذا انما هو في الغبار الغليظ والا فظاهر كثير منهم عدم الباس برقيقه واستدل القائلون بالفساد بأنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسدا له وبما رواه الشيخ عن سليمان المروزي قال سمعته يقول إذا تمضمض الصائم في شهر رمضان أو استنشق متعمدا أو شم رائحة غليظة أو كنس بيتا فدخل في انفه وحلقه غبار فعليه صوم شهرين متتابعين فان ذلك له فطر مثل الأكل والشرب و النكاح وفي المدارك بعد ان استدل لهم بهذين الدليلين قال ويتوجه على الأول المنع من كون مطلق الايصال مفسدا بل المفسد الأكل والشرب و ما في معناهما وعلى الرواية أولا بالطعن في السند باشتماله على عدة من المجاهيل مع جهالة القائل وثانيا باشتمالها على ما اجمع الأصحاب على خلافه من ترتب الكفارة على مجرد المضمضة والاستنشاق وشم الرائحة الغليظة وثالثا بأنها معارضة بما رواه الشيخ في الموثق عن عمرو بن سعيد عن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الصائم يدخن بعود أو بغير ذلك فتدخل الدخنة في حلقه قال لا بأس وسئلته عن الصائم يدخل الغبار في حلقه قال لا بأس ويظهر من المصنف (ره) في المعتبر التوقف في هذا الحكم حيث قال بعد ان أورد رواية سليمان المروزي وهذه الرواية فيها ضعف لأنا لا نعلم القائلين وليس الغبار كالأكل والشرب وإلا كابتلاع الحصى والبرد وهو في محله انتهى ما في المدارك وأجيب عن الخدشة في الرواية بانجبار ضعفها بالشهرة واشتمال الخبر على ما لا يمكن الالتزام بظاهره لمخالفته لاجماع أو غيره من الأدلة غير موجب لسقوطه عن الحجية رأسا وأورد على هذا الجواب بأن الشهرة انما تصلح جابرة لضعف الرواية الضعيفة أي الخبر المنسوب إلى المعصوم الذي في طريقه ضعف لكونها نوعا من التبين المصحح للعمل به وأما الخبر الذي لم يثبت نسبته إلى المعصوم فلا يجد به الشهرة لأنها غير صالحة لاثبات هذه النسبة فالضعف الناشئ من الاضمار غير قابل للانجبار بشهرة ونحوها وأجيب بأن اضماره بعد معلومية عروضه من تقطيع الاخبار لا من أصل الرواية غير قادح وفيه انه لو كان هذا المعني معلوما لم يكن وجه لعد الأصحاب الاخبار المضمرة من صنف الاضعاف نعم كونها مذكورة في كتب الاخبار في سلك سائر الأخبار المروية عن المعصومين وعدم الداعي لمصنفيها لنقل كلام غير المعصومين يورث الظن القوى بكونها منها وكيف كان فالأولى في الجواب عن هذا الايراد بأن الشهرة تصلح جابرة للضعف من جميع الجهات ولكن بشرط استناد المشهور إليه في فتواهم وعملهم به لا مجرد موافقة قولهم لمضمونه فإنه خارجي غير مجد في جبر ضعف الخبر كما تقرر في محله ومن محله ومن هنا يمكن الخدشة في دعوى انجبار ضعفه بالشهرة بعدم ثبوت استناد المشهور إلى هذه الرواية في هذا الفتوى بل المظنون عدمه فان من المستعبد التزامهم بخصوص هذه الفقرة وطرحهم لسائر الفقرات التي تضمنتها الرواية بل كيف يمكن أن تكون هذه الرواية مستندة لهم مع أن أكثرهم بل المشهور فيما بينهم على ما نسبه إليهم في الحدائق على عدم وجوب الكفارة بل القضاء خاصة وهو خلاف ما وقع التصريح به في هذه الرواية فالحق كون هذه الرواية مع الغض عن سندها ومعارضتها بالموثقة المزبورة والصحيحة الحاصرة لما يضر الصائم فيما عداه من الروايات الشاذة التي يجب رد علمها إلى أهله وأما ما قيل من أنه أوصل إلى جوفه ما ينافي الصوم فكان مفسدا له ففيه ما أورده في المدارك وغيره من أن المفسد هو الأكل والشرب وما هو بمعناهما من البلع والتجرع ونحوهما مما لا يصدق عليه عرفا اسم الأكل والشرب ولكن يفهم المنع عنه من النهى عنهما عرفا وليس ايصال الغبار إلى الحلق على اطلاقه كذلك نعم لا يبعدان يقال إنه لو كان المقصود بإثارة الغبار التسبيب إلى ادخال الاجزاء التي يثار منها الغبار من طحين أو تراب ونحوه إلى الجوف فهو ملحق عرفا بالاكل والبلع ونحوه بل هو هو فان تناوله باليد أو بالة أخرى ووضعه في الفم انما يقصد به التوصل إلى ايصاله إلى الجوف فلا يتفاوت الحال حينئذ بين ان يتوصل إليه بالاستعانة بالهواء أو بغيره من الآلات ولكن مراد الأصحاب القائلين ببطلان الصوم بايصال الغبار إلى الحلق ليس خصوص هذا الفرض بل هذا الفرض خارج عن منصرف كلماتهم وانما المتبادر من كلماتهم إرادة بيان الحكم في مثل ما لو كنس بيتا أو دخل مكانا مغبرا من غيران يتحفظ عنه حتى يصل إلى جوفه لا ما كان عنوان الايصال إلى الجوف مقصودا له بفعله ففي مثل هذا الفرض لا ينبغي الارتياب في عدم صدق اسم الأكل والشرب عليه فيتجه الالتزام بعدم مفطريته اللهم إلا أن يقال انا لو التزمنا ببطلان الصوم في الفرض الأول وهو ما لو كان المقصود بفعله التوصل إلى ايصال ما يثار منه الغبار إلى جوفه وجب الالتزام به في هذا الفرض أيضا فان حاله حينئذ حال المشي تحت المطر الذي يعلم بدخوله في حلقه لو لم يتحفظ عنه فإنه وان لم يصدق عليه عرفا اسم شرب ماء المطر ولكنه بحكمه في ابطال الصوم جزما فالأظهر عدم الفرق بين الفرضين وبطلان الصوم في كليهما ولكن بشرط كون ما يصل إلى الجوف من الاجزاء باقيا على حقيقته عرفا غير مستهلك في الهواء بحيث يصدق عليه عرفا ايصال ذلك الشئ إلى الجوف بالتسبيب كما في المشي تحت المطر في المثال المفروض ولا يكون ذلك كذلك الا في الغبار الغليظ المشتمل على اجزائه محسوسة معتد بها عرفا وهذا مما لا ينبغي التأمل في مفطريته مع أنه لم ينقل التصريح بعدم البطلان بالغبار الغليظ بل عن ظاهر غير واحدا وصريحه دعوى الاجماع عليه فلا يبعد أن يقال بكفاية الاجماعات المنقولة المعتضدة بالشهرة وعدم وجود مصرح بالخلاف دليلا على فساد الصوم بايصال الغبار الغليظ إلى الحلق مضافا إلى ما أشرنا إليه من كونه عرفا ملحقا بابتلاع ذلك الجسم الذي أثير منه الغبار وكيف كان فالأظهر في الغبار الغليظ التحريم وفساد الصوم واما الغبار الرقيق الذي حاله في العرف حال البخار والدخان فالأظهر وفاقا لما نسب إلى الأكثر عدم بطلان الصوم كما أن هذا هو الأقوى في نظيريه أي البخار والدخان للأصل مضافا إلى شهادة موثقة عمرو بن سعيد المتقدمة به مع استقرار السيرة على عدم التحفظ عن شئ منها مع كون التكليف بالاجتناب عن البخار لمن يدخل في الحمام ونحوه أو الدخان لمن يباشر الطبخ ونحوه أو مطلق الغبار لمن يرتكب كنس البيت ونحوه من الافعال التي هي مثار الغبار مما قضت الضرورة بجواز ارتكابها للصائم تكليفا حرجيا كما هو واضح فلا ينبغي الارتياب في جواز شئ من ذلك نعم قد يتأمل في جواز تناول كل من هذه الأشياء وايصاله إلى الجوف بابتلاعه وتجرعه عند ملحوظيته من حيث هو وتعلق القصد إلى ايصاله إلى الجوف بعنوانه المخصوص به لا من حيث كونه هواء مشوبا باجزاء خارجية مستهلكة فيه كما هو الشان في شرب التتن والتنباك ونظائره
(١٨١)