فموضوع هذه المسألة بحسب الظاهر هو ما لو نوى الافطار عصيانا من الليل فحينئذ ينافي ما اختاره هنا من القول بالانعقاد لما اعتبره سابقا من وجوب تبييتها مستمرا على حكمها ولا يجدى في رفع هذا التنافي الالتزام بكفاية نية واحدة للشهر كله إذ لا اثر للنية السابقة بعد انتقاضها بنية الخلاف من الليل في صدق اسم التبييت كما هو واضح فظهر بما ذكرنا ان القول الأول فيما هو محل الكلام هو الأقوى اللهم الا ان يمنع اعتبار التبييت في الصوم نظرا إلى أن عمدة مستنده الاجماع فيشكل التعويل عليه بعد اختيار المصنف هيهنا القول بالانعقاد واشعار كلامه بكونه قولا معروفا بين الأصحاب فليتأمل الفرع الثاني لو عقد نية الصوم ثم نوى الافطار ولم يفطر ثم جدد النية كان صحيحا لدى الأكثر منهم السيد والشيخ كما في الذخيرة والمشهور كما في المدارك وحكى عن السيد في بعض رسائله وأبى الصلاح والعلامة وولده والشهيدين والمحقق الثاني القول بالبطلان لعموم قوله لا عمل الا بنية الظاهر في وجوب تلبس مجموعه بها ومقتضى ذلك وجوب تلبس امساك كل جزء من النهار بنية فعل الصوم امتثالا لامر الله كما هو الشان في الصلاة والطهارات ونحوها من العبادات المركبة ولكنك عرفت في باب الطهارة والصلاة انه يكفي في اتصاف الفعل المأمور به بوقوعه بجميع اجزائه عن نية الاستدامة الحكمية بالمعنى الذي عرفته في محله وعرفت في صدر الكتاب انه يكفي في تحقيقها في مثل الصوم ونحوه من العبادات المطلوب بها الترك بقائها في النفس شانا على وجه لا ينافيه الغفلة والنوم وشبهه ولكن ينافيه رفع اليد عنها ونقضها بنية الخلاف فمتى نوى الافطار في جزء من النهار فقد أبطل حكم النية السابقة ووقع ذلك الجزء بلا نية فيفسد ذلك الجزء وبفساده الصوم فإنه لا يتبعض وقد ظهر بما ذكر فساد مقايسته بالنوم أو الغفلة الحاصلة في أثناء النهار وكذا فساد الاستدلال للقول بالصحة بحصر المفطرات في النصوص والفتاوى فيما عداه إذ الفساد ينشأ من الاخلال بالنية التي هي شرط في صحة الصوم لا من حيث كون نية الافطار من حيث هي كسائر المفطرات مبطلة ينافيه حصر المفطرات فيما عداها ونظيره في الضعف الاستدلال باستصحاب صحة الصوم لان صحته المحرزة فيما مضى انما هي بالنسبة إلى اجزائه الماضية وهى غير مجدية في نفى اعتبارها يشك في اعتباره بالنسبة إلى الاجزاء اللاحقة فالاستدلال باستصحاب الصحة لدى الاخلال بما يشك في جزئيته أو شرطيته للعمل الذي يشك للعمل الذي يشك في صحته فاسد نعم له وجه صحته فيما لو نشاء الشك في قادحية الطواري الحادثة في الأثناء بارجاعه إلى اصالة عدم المانع على اشكال دفعناه في محله وليس ما نحن فيه من هذا القبيل كما عرفت فظهر بما ذكرناه ان القول بالفساد أشبه بالقواعد على تقدير تسليم كون الصوم كالصلاة والطهارات ونحوها من الافعال الوجودية المركبة التي يعتبر حصولها بجميع اجزائها عن قصد إطاعة امرها ولكنك عرفت فيما سبق عند التكلم في مقدار امتداد وقت النية انه لم يثبت كون الصوم كذلك فما ذهب إليه الأكثر من القول بالصحة لو أخل بها في جزء منه ثم جددها بعده هو الأشبه وقد ظهر بما حققناه فيما سبق وجه اعتبار تجديدها فيما بعد فراجع ثم انا لو قلنا بالبطلان بنية الافطار فلا فرق بين انشاء العزم على ترك الصوم المترتب عليه ارتكاب المفطرات عند مشيته أو العزم على نقض صومه بتناول المفطرات فيما يستقبل إذا النية المعتبرة في باب العبادات هي القصد إلى فعل تلك العبادة بداعي الخروج عن عهدة التكليف بها فالقصد الذي يعتبر تحققه حال التلبس باجزاء العبادة حقيقة أو حكما انما هو هذه النية وهذا مما يمتنع اجماعه مع العزم على ابطال العمل ونقضه حدوثا وبقاء فكما يمتنع ان يجتمع في ابتداء الاخذ في صلاة الظهر مثلا العزم على فعلها على وجه يطابق امرها ويسقط به التكليف المتعلق بها مع العزم على ابطالها في الركعة الثانية مثلا فكذا يمتنع بقائه بعد حدوث العزم في الأثناء ولا يعقل ان يؤثر تلك الإرادة السابقة المنتقضة بالعزم على ايجاد المبطل في انبعاث الاجزاء المجامعة مع هذا العزم عن تلك الإرادة كي يتوهم ان المضادة بين القصدين توجب ارتفاع نفس تلك الإرادة عند حدوث هذا العزم لا اثرها الذي نسميه بالاستدامة الحكمية التي اعتبروها في صحة العبادة فما في الجواهر من التفصيل بين نية القطع التي هي بمعنى انشاء رفع اليد عما تلتبس به من الصوم وبين نية القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك فجزم بالبطلان في الأول لخلو الزمان المزبور عن النية فيقع باطلا وقوى الصحة في الثاني استصحابا للصحة السابقة التي لم يحصل ما ينافيها لا يخلو عن نظر وقد تقدم في باب الصلاة أيضا حكاية القول بهذا التفصيل عن بعض وأشرنا هناك أيضا إلى ضعفه لاستحالة بقاء العزم على فعل عبادة امتثالا لأمرها مع العزم على ابطالها وعدم اتمامها ولكن منع في الجواهر اعتبار بقاء هذا العزم حال التلبس باجزاء العبادة فقال ودعوى كون المعتبر في الصحة العزم على الامتثال بالصوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف لها مستندا وفيه انه لا يعتبر في صحة شئ من العبادات عدى حصوله بقصد إطاعة الامر به فان توقف صحة الصوم ووقوعه بهذا الوجه على استدامة هذا القصد حقيقة أو حكما في سائر أوقات اليوم يهو والا فلا يتوقف على قصد اخر ورائه جزما كي يتجه به التفصيل المزبور والحاصل انا ان قلنا بكون نية الافطار مفسدة فإنما هو لكونها منافية لاستمرار النية التي اعتبروه في سائر العبارات ولا فرق في ذلك بين الفرضين كما عرفت نعم لو فرض حصول قصد الافطار على وجه لا يناقض تلك النية كما لو كان مبنيا على تقدير ولم نعتبر الجزم في النية أو كان مبنيا على اعتقاد زوال حكم تلك النية لامر اخر أو على التردد في زواله وبقائه كما لو نوى الافطار لحدوث اعتقادات ان اليوم من شوال أو لحدوث اعتقاد فساد صومه بسبب آخرا وتردد في الافطار لأجل التردد في صحته من جهة من الجهات ثم انكشف الخلاف لم يقدح شئ من ذلك في صحة صومه اما الأول فواضح واما ما عداه فلانه لدى التحليل لم يرفع اليد عن عزمه على الصوم بل هو باق على ذلك العزم على تقدير صحة صومه ولكنه حيث برى مخالفة هذا التقدير للواقع ينوى الافطار لذلك أو يتردد فيه لتردده في الصحة ولا عبرة بهذا العزم الطاري الناشئ عن مبنى مخالف للواقع بل العبرة بالقصد الأولى الباقي في النفس شأنا كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في باب الصلاة في توجيه ان الصلاة على ما افتتحت وانها لو نوى الفريضة فزعم في الأثناء كونها تطوعا فأتمها بنية التطوع وقعت فريضة وكذا عكسه فراجع
(١٧٤)