قال أبو الفرج: فحدثني جعفر بن قدامة، عن محمد بن عبد الله الخزاعي، عن أبيه، قال: دخلت مع يحيى بن خالد دير هند الأول، لما خرجنا مع الرشيد إلى الحيرة، وقد قصدها ليتنزه بها، ويرى آثار المنذر، فرأى قبر أبيها النعمان، وقبرها إلى جانبه ثم خرج إلى دير هند الآخر، وهو الأكبر، وهو على طف النجف، فرأى في جانب حائطه كتابة، فأمر بسلم، فأحضر، وأمر بعض أصحابه أن يرقى إليها، فإذا هي:
إن بني المنذر حيث (1) انقضوا * بحيث شاد البيعة الراهب * تنفح بالمسك ذفاريهم * وعنبر يقطبه القاطب * القز والكتان أثوابهم * لم يجب الصوف لهم جائب (2) * والعز والملك لهم راتب (3) * وقهوة ناجودها ساكب * أضحوا وما يرجوهم طالب * خيرا ولا يرهبهم راهب * وأصبحوا في طبقات الثرى * وكل جمع زائل ذاهب (4) * شر البقايا من بقى (5) منهم * قل وذل جده خائب * قال: فبكى يحيى لما قرئ هذا الشعر، وقال: هذه سبيل الدنيا (6)، وانصرف عن (7) وجهه ذلك *