بشجرتين يستظل تحتهما عالم كثير من الناس، وكنت أعرف موضعهما وهي أرض قراح قفراء، وإذا أنا بعين تسيح على وجه الأرض أعذب ماء وأبرد ذوق، فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا، وإن فينا من سلك تلك الطريق مرارا فما رأى فيه شيئا فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب وجعلت أحد النظر فيه وأتأمله (ع) فتبسم وطوى وجهه عني فقلت في نفسي والله لأعرفن هذا كيف هو؟ فأتيت من وراء شجرة ودفنت سيفي وجعلت عليه حجرين وتغوطت عليها في ذلك الموضع وتهيأت للصلاة، فقال أبو الحسن (ع): استرحتم؟ قلنا: نعم، قال:
فارتحلوا على اسم الله تعالى، فارتحلنا فلما سرنا ساعة رجعت على الأثر، فأتيت الموضع ووجدت الأثر والسيف كما وضعته والعلامة وكأن الله لم يخلق هناك شجرة ولا ماء ولا ظلا، فتعجبت ورفعت يدي إلى السماء، وسألت الله تعالى الثبات على المحبة والايمان، وأخذت الأثر فلحقت القوم فالتفت إلي أبو الحسن (ع) وقال: يا أبا العباس فعلتها؟ قلت: نعم يا سيدي لقد كنت شاكا فأصبحت وأنا عند نفسي من أغنى الناس بك في الدنيا والآخرة، فقال (ع):
هو ذلك أنتم معدودون معلومون لا يزيد رجل ولا ينقص رجل.
قال الراوي: فلما وصل (ع) سر من رأى، أنفذ المتوكل أن يحجب عنه، فعزلوه بخان يعرف بخان الصعاليك، فأقام فيه يوما فلما نزل فيه دخل عليه صالح بن سعيد كما في الكافي والبصائر، فقال له: جعلت فداك في كل الأمور، أرادوا إطفاء نورك والنقص بك حتى أنزلوك في هذا الخان الأشنع خان الصعاليك، فقال (ع) أهاهنا أنت يا بن سعيد ثم أومى (ع) بيده وقال: أنظر، فنظرت فإذا أنا بروضات أنيقات وروضات باسقات فيهن حوريات خيرات عطرات وولدان كأنهم اللؤلؤ المكنون، وأطيار وظباء وأنهار تفور وتموج، فحار بصري وحسرت عيني فقال (ع) حيث كنا فهذا لنا يا بن سعيد، لسنا في خان الصعاليك.
ولله در من قال من الرجال: