عشر رقاع وختمها ودفعها إلى عشرة من وجوه الصحابة وقال: إن حدث بي حدث الموت قبل أن أطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها، فلما مضى أبو جعفر (ع) ذكر أبي أنه لم يخرج من منزله حتى قطع على يده نحو من أربعمائة إنسان، واجتمع رؤساء الصحابة عند محمد بن الفرج يتفاوضون في هذا الامر، فكتب محمد بن الفرج إلى أبي يعلمه باجتماعهم عنده وأنه لولا مخافة الشهرة لصار معهم إليه ويساعدهم عليه، فركب أبي وصار إليه فوجد القوم مجتمعين عنده فقالوا لأبي: ما تقول في هذا الامر؟ فقال أبي لمن عنده الرقع:
احضروا الرقع، فحضورها، قال بعضهم: قد كنا نحب أن يكون معك في هذا الامر شاهدا آخر فقال لهم: قد أتيكم به، هذا أبو جعفر الأشتري يشهد بسماع هذه الرسالة، وسأله أن يشهد بما عنده، فنكر أحمد أن يكون سمع من هذا شئ، فدعاه أبي إلى المباهلة فقال لما حقق عليه قد سمعت ذلك وهذه مكرمة أحب أن تكون لرجل من العرب لا لرجل من العجم فلم يبرح القوم حتى قالوا بالحق جميعا.
قال الراوي لي في قضية وفاته (ع): وكان السم يجري في بدنه فلم تطل لذلك مدة له حتى قضى به شهيدا وعرج به إلى ساحة الرضوان، وصار إلى عالم البقاء وجوار آبائه (ع) في رياض الجنان، وقامت الواعية في داره (ع) وعلا الضجيج والبكاء والعويل من الهاشميين والعلويين من آل عدنان، فهم بين نادب ونادبة وباك وباكية بأصوات عالية ونوح وعويل، وصارت الشيعة في حزن شديد وهم مبيد، وكل منهم ينادي وا إماماه وا سيداه وا محمداه وا كفيل اليتامى والمساكين وثمال المنقطعين ومأوى الضائعات والضائعين، ثم أن ابنه أبو الحسن علي الهادي (ع) قام في جهازه وغسله وتحنيطه وتكفينه كما أمره وأوصاه، فغسله وحنطه وأدرجه في أكفانه وصلى عليه في جماعة من شيعته ومواليه، وكان هارون بن إسحاق حاضرا هناك فلما علم بالحال ركب ومضى إليه وصلى عليه عند منزله في رحبة سوار بن ميمون من ناحية قنطارة البردان، فلما فرغوا من الصلاة عليه حملوه على سريره وساروا به وهم يبكون ويلطمون