عليه الخدود ويندبونه في حزن وطيش إلى مقابر قريش متنغصا عليهم النعيم والعيش، ثم أنهم وضعوه وألحدوه في مقابر قريش بجنب جده موسى بن جعفر (ع) الكاظم، فوقف ابنه علي الهادي (ع) على قبره قائلا: وا أبتاه وا محمداه آه وا وحدتاه وا قلة ناصراه وا نقطاع ظهراه، ليتني كنت لك الفدا يا أبتاه من بعدك وا وحشتاه فراقك قد أعمى عيني وهيج حزني وقطع نياط قلبي، يا أبتاه اقرأ آباءك عني السلام وأخبرهم بما نحن فيه من الهوان، يا أبتاه مضيت عنا ولم يطل لك العمر وتبلغ الكهولة في الحياة يا أبتاه، ثم انكفأ عنه سخين العين باكي الناظر، وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم إنا لله وإنا إليه راجعون.
وكان عمر محمد الجواد (ع) حينئذ على ما جاءت به الروايات خمسة وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوما أقام منها مع أبيه الرضا خمسة سنين وشهرا، وأقام بعده عشرين سنة وشهرين وقيل عشرين سنة إلا شهرا، وكانت إمامته (ع) في بقية أيام المأمون ثم هلك المأمون، وكان أيام المعتصم أخ المأمون ثمان سنين وشهرا وقد استشهد مولانا الإمام محمد الجواد في أيامه بسم له في أشهر الروايات.
وإنما اختلفت الروايات في يوم وفاته ففي خبر محمد بن سنان قال: قبض محمد بن علي الجواد (ع) في يوم الثلاثاء لست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين وهو ابن خمس وعشرين سنة وثلاثة أشهر واثني عشر يوما وبه أخذ. وفي رواية المفيد كما في مسار الشيعة أنه توفي يوم الثلاثاء وهو يوم الحادي عشر من ذي القعدة وينبغي لبس شعائر الأحزان في هذه الأيام كلها، وفي كل آن ليحصل الجزاء من الرب المنيل:
[مضى الجواد فوا لهفي على الدين * خذوا حدادكم يا آل ياسين] [فإن مولى الورى قد قام نادبه * يقول من ليتيم أو لمسكين] [فضجت الرسل والأملاك تندبه * وجررت لمم التقوى على الطين]