جوهرة يستقبلن أبا جعفر (ع) إذا قعد في موضع الأجناد ففعلن، فلم يلتفت (ع) إليهن، وكان هناك رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وطرب، طويل اللحية، فدعاه المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان فيه شئ من أمر الدنيا فأنا أكفيك أمره، فقعد بين يدي أبي جعفر (ع) فشهق مخارق شهقة أجمع عليه أهل الدار، وجعل يضرب بعوده ويغني فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر (ع) لا يلتفت إليه يمينا ولا شمالا، ثم رفع (ع) رأسه وقال اتق الله يا ذي العتنون، فسقط المضراب من يده والعود، فلم ينتفع بيده إلى أن مات، قال فسأله المأمون عن حاله قال: لما صاح بي أبو جعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا.
وروى محمد بن علي الهاشمي قال: دخلت على أبي جعفر صبيحة عرسه بحبيبة بنت المأمون، وكنت تناولت من الليل دواء، فأول من دخل عليه في صبيحته أنا وقد أصابني العطش، فكرهت أن أدعو بالماء، فنظر أبو جعفر (ع) في وجهي وقال: أظنك عطشانا؟ فقلت: أجل فقال: يا غلام اسقنا ماء، فقلت: الساعة يأتونه بماء يسمونه فيه فاغتممت لذلك، فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثم قال: ناولني الماء فناوله الماء فشرب ثم ناولني فشربت، ثم عطشت أيضا ففعل مثلما فعل في الأول، فلما جاء الغلام ومعه القدح قلت في نفسي مثلما قلت في الأول، فتناول القدح (ع) فشرب فناولني فشربت. قال محمد بن حمزة: فقال لي هذا الهاشمي أظنه كما تقولون فكم له مثل هذه المناقب التي تملأ الكتب والطوامير، وتزعزع في قلوب أعدائه ثاقبات السعير حتى جردوا لهم سهام العداوة ولم يدعو لهم قليل ولا كثير، فما منهم إلا مسجون مظلوم وذبيح مسموم سيما من الرجيم المأمون الملعون، بعد ما فعل بأبيه من القتل وسقي السموم فحسده بعد أن بوأه مقامات الغدر ليسقيه المنون، وأبى الله أن يكون ذلك على يديه فحال بينه وبين مراده لان الاقدار قد أجرت قتله (ع) على يد غيره من الفجار.