وفيات الأئمة - من علماء البحرين والقطيف - الصفحة ٢٤٢
ذلك السنخ، فلما سمع المنصور ذلك قال: وأنت يا أبا عبد الله عندي أبر للسماحة وأسلم للنجاحة القابل للغاية، جزاك الله من ذي رحم أفضل ما جزى ذوي الأرحام عن أرحامهم، ثم تناوله بيده فأجلسه على فراشه ثم أمر بطيب فطيب به لحية جعفر (ع) وقال له: قم في حفظ الله تعالى وكفايته، فخرج (ع) فقال المنصور للربيع: الحق جعفر (ع) بالكسوة والجائزة، فلحقه بهما وقال له: يا جعفر ما قلت حين دخلت وما قلت حين خرجت.
قال (ع) قلت: اللهم احرسني بعينك التي لا تنام، واكنفني بركنك الذي لا يرام، ففعل الله تعالى بي ما رأيت وهكذا دأبه صلوات الله عليه مع المنصور في جميع الأوقات والشهور لا زال يغتنم فيه الفرص ويوقعه في المحذور والغصص، وقد طلبه مرارا وعزم على قتله سرا وجهارا، وحيث لم يحتم المقدور صرف الله تعالى عنه ذلك البلاء والشرور فلما أحب الله تعالى شهادته وحضر وقته وأحب لقائه أغار عليه المنصور، فدس إليه سما نقيعا في عنب ورمان فأكله سلام الله عليه فجعل يجود بنفسه وقد اخضر لونه وصار يتقيأ كبده قطعا قطعا حتى قضى نحبه ولقي ربه شهيدا مظلوما، فلما مات (ع) تزعزعت المدينة بسكانها، وخرجت المخدرات من خدورها وأوطانها ناشرات للشعور هاتكات للستور شاقات للجيوب خامشات للوجوه لاطمات للخدود خادشات للنواصي والعيون، كل تنادي: وا إماماه، وا جعفراه، وا سيداه، وخرج المساكين والأيتام ينادون: وا ضيعتاه وا محنتاه وا قلة ناصراه.
وبكاه ابنه موسى الكاظم (ع) قائلا يا أبتاه من [لنا] بعدك وا طول حزناه وا حسرتاه من بعدك يا أبتاه وا انقطاع ظهراه، وقد نص على ابنه موسى بن جعفر وأسر إليه تلك الوصاية وأظهرها وأشهد عليها جملة من الأوصياء والأعداء، وقد مر ذكرها سابقا فقام موسى (ع) في جهاز أبيه (ع) فغسله وحنطه كما أمره وكفنه وعيناه تهملان دموعا وحمل جنازته (ع) إلى البقيع ودفنه جوار أبيه وعمه (ع).
(٢٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 245 247 248 249 ... » »»
الفهرست