غيبه أحدا، فكيف ادعى ذلك؟ فقال أبي (ع): إن الله جل ذكره أنزل على نبيه كتابا بين فيه ما كان وما يكون إلى يوم القيامة (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين) (1) وفي قوله تعالى (ما فرطنا في الكتاب من شئ) (2) وأوحى الله تعالى إلى نبيه (ص) أن لا يبقي في غيبه وعلمه وسره ومكنون علمه شيئا إلا يناجي به عليا (ع)، فأمره أن يؤلف (3) القرآن من بعده ويتولى غسله وتكفينه وتحنيطه من دون قومه وقال لأصحابه: حرام على أصحابي وأهلي أن ينظروا إلى عورتي غير أخي علي (ع) فإنه مني وأنا منه، له ما لي وعليه ما علي، وهو قاضي ديني ومنجز عداتي ووعدي. ثم قال لأصحابه: إن علي بن أبي طالب (ع) يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت أنا على تنزيله، ولم يكن عند أحد تأويل القرآن بكماله وتمامه إلا عند علي (ع) ولذلك قال رسول الله: أقضاكم علي (ع) أي هو قاضيكم، وقال عمر: لولا علي (ع) لهلك عمر، يشهد له عمر ويجحد غيره.
فأطرق هشام طويلا ثم رفع رأسه فقال: سل حاجتك فقال: خلفت عيالي وأهلي مستوحشين لخروجي، فقال قد آنس الله وحشتهم برجوعك إليهم ولا تقم، سر من يومك إليهم، فاعتنقه أبي (ع) ودعا له، وفعلت أنا كفعل أبي (ع)، ثم نهض ونهضت معه وخرجنا إلى بابه، وإذا ميدان ببابه وفي آخر الميدان أناس قعود وعدد كثير فقال أبي: من هؤلاء؟ فقيل: هؤلاء القسيسون والرهبان وهذا عالم لهم يقعد لهم في كل سنة مرة يوما واحدا يستفتونه فيفتيهم، فلف أبي (ع) عند ذلك نفسه بفاضل ردائه ففعلت أنا كفعل أبي، فأقبل نحوه وقعد وقعدت وراءه ورفع الخبر إلى هشام، فأمر بعض غلمانه أن يحضر الموضع فينظر ما يصنع أبي (ع)، فأقبل وأقبل عدد من المسلمين فأحاطوا بنا * (هامش ص 199) (1) سورة النحل، الآية: 89.
(2) سورة الأنعام، الآية: 38.
(3) يؤلف: يجمع. *