ثم اجتهدت (عائشة) مرة ثانية حين طالبت بدم عثمان وخرجت في صحبة طلحة والزبير اللذين نكثا العهد، ونقضا البيعة لعلي، فأخطأت الاجتهاد حتى قيل أنها ما خرجت للمطالبة بدم عثمان إلا لتفرقة الجماعة الإسلامية حول علي، ولو كانت البيعة لغير علي ما خرجت وأصاب (علي) حين لم ينكث عهده ونكث هؤلاء عهودهم وأصاب حين دافع عن نفسه في موقعة الجمل لا باعتباره (عليا) بل باعتباره خليفة المسلمين والذائد عن حياض هذه الجماعة الإسلامية، ولو كان دفاعه لاعتبار في شخصه أو لهوى في نفسه لما رد أم المؤمنين إلى المدينة معززة مكرمة فكان اجتهاد (عائشة) رضي الله عنها ثاني ثلمة حدثت في صرح الإسلام بعد اجتهاد عمر في توجيه الخلافة الإسلامية وليس الذي نقول بدعا من القول، أو ضربا من التحامل، وإنما هو حقائق مقرة أجمع عليها العدول من المجتهدين وثقات المؤرخين وقد أحدث اجتهادها ضجة في نفوس أهل الحق ابتداءا من عصر الصحابة إلى يومنا هذا.
وما هي أم سلمة ضرتها، وأختها في الإسلام والعشرة والصحبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترسل إليها كتابا حكيما تطلب إليها فيه العدول عن الخروج وتنهاها عن الفرقة:
(من أم سلمة زوج النبي صل الله عليه وآل وسلم إلى عائشة أم المؤمنين فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فقد هتكت سدة بين رسول الله صل الله عليه وآل وسلم وأمته، وحجابا ومضروبا