نظرات في الكتب الخالدة - حامد حفني داود - الصفحة ١٥٣
أسمى من ذلك، هي مثل عليا، قوامها الكياسة والعقل، وأساسها المجاهرة بالحق، وهدفها المصلحة العامة للإنسانية جمعاء أقول: إن مثل علي وخصومه مثل رجلين ارتفع الأول بروحه إلى كلمة الحق فآثر النور على الظلام والمثل الباقية على الماديات والمظاهر الخلابة الفانية، وانحدر الثاني إلى الأرض فلم يرق شيئا فحيم عليه الظلام وطغت عليه ماديات الحياة فتغير بتغيرها، وتلون بتلونها، وفنى بفنائها وشتان ما بين الرجلين، لا يستويان مثلا فالأستاذ العسكري - كافأه الله على كلمة الحق - لا يبغي من وراء هذا البحث العلمي النزيه الدقيق أن يثير ثائرة المسلمين على عائشة رضي الله عنها على الرغم مما أخطأت فيه من اجتهاد - وإنما يرجو من وراء ذلك - خالصا لله وحده تصحيح المفاهيم والأوضاع التاريخية التي تحجرت في عقول كثير من الناس، فأخطأوا فهم الصحابة، ولم يميزوا بين الحق والباطل من الأقوال وجهلوا الكثير من دعائم التاريخ والتشريع الإسلامي، وهو يلتمس - جاهدا - من وراء ذلك أن يفهم الناس أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في ضوء في ضوء العلم وحده بعيدا عن العاطفة والحزبية والعصبية، وإنهم لو استطاعوا ذلك أو شيئا من ذلك ليسهل عليهم أن يدركوا سر الاختلاف مصنوعا، صنعه الحكام الذين كانوا يؤثرون حزبا على حزب، ويصنون ما شاؤوا أن يصنعون من الأحاديث من أجل تدعيم ملكهم وإقامة حزبهم، ولو كلفهم ذلك حمل بعض الصحافة على تحريف عن موضوع وتأويل ما جاء عن الرسول أو على الأصح انتحال الكذب على الصحابة والتقول باسمهم بكل ما يرونه فيه مؤيدا لأهوائهم، ومد عما لملكهم
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»