على قم والري وغيرها من مدن إيران، فقد نشطت مدرستي قم - والري حينذاك بعلمائها الأبدال، أمثال الشيخ الكليني، وعلماء آل بابويه القمي - الشيخ الصدوق ووالده -، وعلماء آل قولويه، ومن قبل علماء الأشعريين وغيرهم، وسيأتي تفصيل ذلك بإذن الله تعالى.
وهؤلاء السلاطين وحكوماتهم كانوا يدينون بالولاء لآل البيت (عليهم السلام).
ولهذا السبب ترى فقه آل محمد (صلى الله عليه وآله) سائدا ومنتشرا في تلك الربوع.
وقد انتعشت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في بغداد على يد الشيخ المفيد (رحمه الله) بشكل لم يسبق له مثيل من حيث تنوع العلوم والأساتذة والطلاب والخريجين، وكان يحضر درس الشيخ المفيد (رحمه الله) ومناظراته الطلاب والعلماء من مختلف المذاهب والفرق الإسلامية، فساهمت نشاطات الشيخ المفيد (رحمه الله) في إرساء مبادئ ومعالم مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) بأجلى صورها، ولم يكن لأتباع أهل البيت (عليهم السلام) قبل الشيخ المفيد كيان ومدرسة بهذا المعنى والمحتوى.
والعلماء الذين نبغوا قبل ذلك كانوا بجهودهم الشخصية ومساعيهم الفردية، لذلك عظمت مشقاتهم، واشتدت متاعبهم، وهم ينتقلون من مكان لآخر ينشدون الأمان في ظل تحصيل العلم ويسعون وراء المعرفة.
أقول: وإذا كانت بغداد حاضرة العالم الإسلامي مدرسة الشيخ المفيد التي أرسى قواعدها وكان عميدا لها، يبسط ظله ويحوط طلابه برعايته ويمدهم بعلمه، وكان منار هداية وإرشاد في العراق، فقد كان في الوقت نفسه يمد العالم الإسلامي كله بإشعاع نور علمه وأفكاره بالهداية والصلاح.
أصبحت بغداد مركزا ثقافيا كبيرا من مراكز الحركة العقلية في العالم الإسلامي، يقطنها آلاف من الفقهاء والمحدثين، منتشرين في آلاف المدارس والكتاتيب والمساجد التي يحتشد فيها العلماء والمدرسين والطلاب كل يوم للدرس