من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٤٧
وسوف تجد أيها القارئ الكريم في الفصل الثاني من الكتاب تطبيقات الإمام الحسين (عليه السلام) لهذه التوجيهات الأخلاقية التي سمعها ونقلها، فكان مثالا شامخا للعالم العامل بعلمه.
وأخيرا تأمل في إحدى خطبه الأخلاقية الرائعة، وأنت ترى نفسك أحد المخاطبين له:
" يا أيها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا، واكسبوا الحمد بالنجح، ولا تكتسبوا بالمطل ذما، فمهما يكن لاحد عند أحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافاته، فإنه اجزل عطاء وأعظم أجرا.
واعلموا ان حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، فلا تملوا النعم فتحور نقما.
واعلموا أن المعروف مكسب حمدا، ومعقب أجرا، فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين، ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجا (1) مشوها تنفر منه القلوب، وتغض دونه الأبصار.
أيها الناس من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجو، وان اعفى الناس من عفى عن قدرة، وان أوصل الناس من وصل من قطعه، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو، فمن تعجل لأخيه خيرا وجده إذا قدم عليه غدا، ومن أراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه، والله يحب المحسنين ". (2) يعلق العالم الجليل الإربلي على هذا الخطاب قائلا: هذا الفصل من كلامه (عليه السلام) وإن كان دالا على فصاحته، ومبينا عن بلاغته، فإنه دال على كرمه، وسماحته، وجوده، مخبر عن شرف أخلاقه وسيرته، وحسن نيته وسريرته، شاهد بعفوه وحلمه وطريقته، فإن هذا الفصل قد جمع مكارم الأخلاق: لكل صفة من صفات الخير فيها نصيب، واشتمل على مناقب عجيبة، وما اجتماعها في مثله بعجيب.

١ - السمج: القبيح والخبيث.
٢ - كشف الغمة ٢: ٢٩، الفصول المهمة ١٦٩. - بحار الأنوار ٧٨: ١٢١ حديث ٤، أعيان الشيعة ١: ٦٢٠.
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»