من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ٢١٢
E / في السلم وعدم الغيلة الضحاك المشرقي - وكان من أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) - قال: لما أقبلوا نحونا فنظروا إلى النار تضطرم في الحطب والقصب الذي كنا ألهبنا فيه النار من ورائنا لئلا يأتونا من خلفنا، إذ أقبل إلينا منهم رجل يركض على فرس كامل الأداة، فلم يكلمنا حتى مر على أبياتنا، فنظر إلى أبياتنا فإذا هو لا يرى إلا حطبا تلتهب النار فيه، فرجع راجعا ونادى بأعلى صوته: يا حسين! استعجلت النار في الدنيا قبل يوم القيامة!
فقال الحسين (عليه السلام): " من هذا؟ كأن شمر بن ذي الجوشن "؟!
فقالوا: نعم أصلحك الله، هو هو.
فقال له الحسين (عليه السلام): " يا بن راعية المعزى! أنت أولي بها صليا "!
فقال له مسلم بن عوسجة: يا بن رسول الله جعلت فداك ألا أرميه بسهم، فإنه قد أمكنني، وليس يسقط سهم مني، فالفاسق من أعظم الجبارين!
فقال له الحسين (عليه السلام): " لا ترمه، فاني أكره أن أبدأهم ". (1) هذه هي الأخلاق الحسينية، إنها لا ترخص البدء في الحرب، لأن الحسين رحمة قبل العنف ودفاع قبل الهجوم وسلم قبل الحرب. ولكن انظر إلى خساسة عدوه، فقد جلس (الشمر القاتل) على صدر الحسين فتبسم الحسين في وجهه ونصحه ووعظه.
إلا أن اللعين حز رأسه الشريف ثم أمر بسلب ما عليه حتى ملابسه، ثم رضوا جسده الشريف بحوافر الخيل وكسروا أضلاعه وعظامه وتركوا جسده على الأرض ثلاثة أيام.
إن هذا الحقد العجيب كان في مواجهة تلك الأخلاق الكريمة التي أصدرت أمرا بعدم رمي راعية المعزى وهو الذي قطع رأس الحسين (عليه السلام) وأمر بسلبه، ذلك مالم يرتضيه حتى عرب الجاهلية. فقد ورد أن عليا (عليه السلام) لما قتل عمرا - وهو الكفر كله - لم يسلب منه حتى درعه الذي لم يكن له نظير في ذلك الزمان على ما قيل ولم يكن من لباسه وقد سئل (عليه السلام) عن ذلك فقال: إنه كبير قومه ولا أحب هتك حرمته، وبذلك فرحت أخته لما رأت أخاها غير مسلوب، وعلمت أن قاتله علي (عليه السلام)، فكان فرحها لشيئين:

١ - تاريخ الطبري ٣: ٣١٨، الارشاد: ٢٣٣، الكامل في التاريخ ٢: ٥٦١ اختصارا، بحار الأنوار ٤٥: ٥، العوالم 17: 248، وقعة الطف: 204.
(٢١٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 ... » »»