من أخلاق الإمام الحسين (ع) - عبد العظيم المهتدي البحراني - الصفحة ١٨١
E / في العطف حتى على العدو هل رأيت أو قرأت في تاريخ المواجهات المسلحة أن قائدا أمر جنوده بسقاء جنود العدو، بل ويباشر بنفسه في إرواء جندي من عدوه كان يوشك أن يموت عطشا؟!
الحسين القائد الأخلاقي الفذ قد فعل ذلك، في الوقت الذي فعل عدوه عكس هذه الأخلاق العظيمة تماما. والآن تأمل في كلمات التأريخ:
إنتهى موكب الإمام (عليه السلام) إلى - منطقة - شراف، وفيها عين للماء فأمر الإمام فتيانه أن يستقوا من الماء، ويكثروا منه، ففعلوا ذلك، ثم سارت القافلة تطوي البيداء، وبادر بعض أصحاب الإمام فكبر، فاستغرب الإمام وقال له:
لم كبرت؟
قال: رأيت النخل.
وأنكر عليه رجل من أصحاب الإمام ممن يعرف الطريق فقال له: ليس هاهنا نخل، ولكنها أسنة الرماح وآذان الخيل.
وتأملها الإمام فطفق يقول: وأنا أرى ذلك، وعرف الإمام انها طلائع جيش العدو جاءت لمناهضته، فقال لأصحابه: " أما لنا ملجأ نلجأ إليه، نجعله في ظهورنا، ونستقبل القوم من وجه واحد؟ ".
وكان بعض أصحابه ممن يعرف المنطقة فقال له: بلى هذا ذو حسم إلى جنبك، تميل إليه عن يسارك، فان سبقت إليه فهو كما تريد.
ومال موكب الإمام إليه إلا أنه لم يبعد كثيرا حتى أدركه جيش مكثف بقيادة الحر بن يزيد الرياحي، كان ابن زياد قد عهد إليه أن يجوب في الصحراء للتفتيش عن الإمام (عليه السلام)، والقاء القبض عليه وكان عدد الجيش زهاء ألف فارس، ووقفوا قبال الإمام في وقت الظهيرة، وكان الوقت شديد الحر، ورآهم الإمام وقد أشرفوا على الهلاك من شدة الظمأ، فرق عليهم، وغض نظره من أنهم جاؤوا لقتاله وسفك دمه، فأمر أصحابه أن يسقوهم، ويرشفوا خيولهم، وقام أصحاب الإمام فسقوا الجيش ثم انعطفوا إلى الخيل فجعلوا يملأون القصاص والطساس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت وسقي الآخر حتى سقوا الخيل عن آخرها. لقد كان الإمام (عليه السلام) على استعداد كامل في سفره، فقد كانت
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 186 ... » »»